Ads 468x60px

Featured Posts

  • ليوبولد فايس - محمد أسد

    هز الرجل العجوز راسه ببطء وقال كلا اذا توقفت المياه بلا حركه في بركه فانها تفسد وتتعكر وتتعفن اما حين تكون متحركه ومتدفقه فانها تظل ونقيه

  • كتابات رسول حمزاتوف

    كتب رسول حمزاتوف عن رسام داغستاني قابله في باريس كان قد غادر بلاده إلى روما وتزوج إيطالية، وجاب عواصم الأرض.. غير أنه كان يحمل الشوق إلى بلده في نفسه.. وقد كلف رسول حمزاتوف أن يحمل أشواقه إلى أهله.. يقول رسول:

  • الحفيدة الامريكية

    حين بدأ مكبر الصوت ينقل خطاب حاكم الولاية وهو يقرأ النص الذي يعلن الولاء للأرض الجديدة , حين نهض حشد الرجال والنساء واقفين وارتفعت أصواتهم جميعا مرددة وراءة عبارات القسم بانفعال وتوكيد حين راح

  • السعي وراء السعادة

    لا أستطيع مشاهدة هذا المشهد دون التصفيق معه حين تبكي عيني ويل سميث .. مشهد اقتحام الدموع.. ملهمة جدا

  • أسف هل تغني عن الظلم

    القضايا السياسية تثير اهتمامي وفيلم فتح الباب على مصراعيه باتجاه قراءة القضاء البريطاني من جهه والجيش الجمهوري الإيرلندي من جهه أخرى

  • رئيس البرازيل الخامس والثلاثون

    نادراً جداً ما يبكي الرؤساء وقلما يكون بكائهم صادقاً . الا هذا الإنسان يشعرك بصدق عبراته

الأربعاء، 13 نوفمبر 2013

ليوبولد فايس ( محمد أسد ) رجل التساؤل والبحث عن الحقيقة

                                          
 أشعر بأنني ما عدت قادر على التدوين ، بدت كل الأشياء متشابه ، لدي إيمان لا يخالطة شك إن كان لمدونتي هذه بقية من عمر، فستبقى لتحيا معي وإن كان عكس ذلك ، فلن أجهز عليها على حين غرة لإلغائها ، وإن كنت أظن بأن عقدها الأخير قد أكتمل واكتهل أيضاً ، وبانت الرغبة ولكنْ لكل أجل كتاب .
 ذات يوم قال لي احد الأصدقاء . " إن شعرت بأنك في الصفحات الأخيرة لكتاب استمتعت بقراءته . سوف ينتابك شعور بالحزن ممزوج بالبخل وانت تعد ما تبقى من الصفحات " "الطريق الى مكة" كتاب مبهر وذات أبعاد تلوج بالأعماق احسست بأن قراءته  تجددنا إنسانيا.  محمد أسد باحث وكاتب استطاع  أن يقنعنا بأنه روائياً فذاً . يرسم لنا وهو يروي طريقة سحب الدلو  من البئر بأنها طريقة طواف نفسي، يكتبها بوصف رائع كيف تكون أصوات البدو واهازيجهم الجميلة، وتصوير النفود المقفرة بأنها أماكن خيالية، وصف لايؤديه إلا مبدع مُلهم، محمد أسد يجعل رحلته إلى مكة نافذة إلى  رحلة تاريخية، اجتماعية، سياسية، فنية، ودينية. فهو ينطلق  من أحداث بسيطة في طريق مكة ليعود بنا بشكل ذكريات غير منظمة إلى مناطق مختلفة في حياته للبحث عن إجابات لأسئلته، منذ ولادته حتى وصوله إلى مكة ، الكتاب أعمق من أن يكون سيرة ذاتية ، وأعمق من رحلة رجل اعتنق الإسلام ، بل هي رؤية إنسانية للحياة، ومعراج روحي لأدراك خفايا الوجود، في ظروف استثنائية جداً رحلته الى الشرق الاوسط_ وكيف تكون اول انطباع عن العرب في صحراء سيناء، وما شاهد  وشعر به في فلسطين وفي مصر ، وكيف  عبر الاردن و سوريا وكيف  أتاه اول احساس عميق بدواخله في دمشق بأنة على وشك ولوج طريق لم يتوقع بأن يوصله  الى الحق والحقيقه ، وكل ذلك اتضح أمامة  رويدا رويدا ؛ وكيف رجع ، بعد زياراتة لتركيا الى اوروبا ، وكيف إكتشف أنه من الصعب جدا ان يحيى  في عالم الغرب : لانة من وجهه ، كان مشغوفا للتوصل الى فهم اعمق لذلك الاحساس الغريب الذي انتابة عند اول معرفه له بالعرب وثقافتهم ، وكان يسعى الي فهم افضل لما يريدة محمد اسد (ليوبولدفايس ) ولد لابوين يهودين باحدى مقاطعات النمسا عام ١٩٠٠التي ضمت لالمانيا بعد ذلك اسمه الاصلي ليوبولد فايس وتسمى بعد اسلامه باسم  محمد اسد عام ١٩٢٦عمل صحافيا ومراسلا لكثير من صحف وسط اوروبا والمانيا وهولندا وسويسرا عن منطقه الشرق الاوسط وايران وافغانستان والهند عاصر وشارك في كثير من الاحداث التي شكلت مستقبل المنطقه  في رحتله يقابل شخصاً يخبره: "هز الرجل العجوز راسه ببطء وقال كلا اذا توقفت المياه بلا حركه في بركه فانها تفسد وتتعكر وتتعفن اما حين تكون متحركه ومتدفقه فانها تظل ونقيه " .. 
وهكذا كانت حياته .. حركة دائبة لا تهدأ نفسه فيها أبداً يتحدث عن حياته قبل الرحلة : لم أكن تعيساً بالتأكيد لكني لم أكن أشعر بالرضى ولا بالإشباع يصف صلاة الجمعة في المسجد الأموي وصف جميل جدا : في تلك اللحظة أدركت مدى قرب الله منهم وقربهم منه . بدا لي أن صلاتهم لاتنفصل عن حياتهم اليومية ، بل كانت جزء منها ، لاتعينهم صلاتهم على نسيان الحياة بل تعمقها أكثر بذكرهم لله..

 يتجلي في حديثة حبه الكبير  لرفيق سفره  "زيد الشمري "  ووصفه أياه المتكرر لزيد في رحلتة معه أصبح شخص مثيرة للانتباه لدى كل يقرأ الكتاب يحكي قصته في صحراء إيران في منطقة البلوش كم أسرني تعاملهم مع الصحراء وتكيفهم بها وحديثه عن التركيبة النفسية للايرانيين بطريقة رهيبة

يتكلم عن بدايته المهنية في أوروبا يقول (( كنت قد اصبحت نائبا لرئيس تحرير قطاع اخبار الصحافه الاسكندنافيه ، وفتح امامي ذلك العمل سبلا وطرقا عريضه الى عالم ارحب واوسع . كان مقهى (دي فيستين ) ومن بعده مقهى (رومانشيه ) ملتقى الكتاب والمفكرين البارزين والفنانين ومشاهير الصحافين وممثلين ومنتجين ، وكانوا كلهم يمثلون لي البيت الفكري . ربطتني بهم جميعا علاقات صداقه توفرت بها النديه ، كان لي ايضا شهرتي التي لم تقل عن شهره كثرين منهم كانت حياتي مليئه بصداقات عميقه ، وعلاقات حب وغرام عابره . كانت الحياه مثيره مليئه بصداقات عميقه ، وعلاقات حب وعابره كانت الحياه  مثيره مليئه باحلام واعده صاخبه الالوان كلا لم اكن تعيسا بالتاكيد _لكني  لم اكن اشعر بالرضئ ولا بالاشباع ، لا ادري بالتحديد مالذي اسعى اليه وما الذي اتوق الي تحقيقه ..))
الماضي؟ هل لي اي ماض ؟ كان عمري اثنين وعشرين عاما ... الا ان ابناء جيلي _اولئك الذين ولدوا مع مطلع القرن العشرين _عاشوا عصرا سريع الايقاع عن اي زمن عاشته ايه اجيال اخرى سابقه ، بدا الماضي الذي اتذكره كما لو كنت انظر الى مدى زمني سحيق غائر ... ايقنت انه لو تحرر المرء تماما من عاداته التي نشا عليها ومناهجها الفكريه وتقبل مفهوم انها ليست بالضروره الاساليب الصحيحه في الحياه ، لامكن له ان يفهم ما يبدو غريبا في نظره عن عالم السلام ... انا _ هذه الحزمه من اللحم والعظم والمشاعر والادراك _ خلقت في مسار هذا الوجود ، وحين اكون داخل اي حدث اكتشف ان (الخطر) ليس الا وهما : وان ذلك الخطر لا يستطيع ان (يقهر ) ارادتي ، وان كل ما يحدث ويقع لي ليس الا بعضا من التيار المكون للحياه والذي يحتضن كل الوجود الذي انا بعض منه . الا يمكن على سبيل المثال ان يكون الخطر والامان ، والموت والسعاده والمصير والتحقق ، ليست كلها الا وجوها متباينه لتلك الحزمه الضئيله من اللحم والعظم التي هي انا ؟ يا لها من حريه مطلقه بلا حدود،يالله ،وما اعظم هباتك للانسان .... القدم . نهضت من مخيلتي كل المصاعب والمشاكل والمغامرات التي خضتها فيما مضى من عمري ،كل التطلع والشوق واللهفه والسعي وخيبه الامل والخذلان والنساء واول علاقات في حياتي . كانت الليالي تبدو لنا بلا نهايه ، نسير تحت ضوء النجوم ، لا ندري على وجه التحديد مالذي نريده ، اسير برفقه صديق في شوارع تخلو من الماره ، نتحدث عن اشياء تبدو لنا جوهريه ، متغافلين عن جيوبنا الخاويه وافتقاد الامان في الايام المقبله تلك المشاعر من عدم الرضا السعيد التي لا يعرفها الا الشباب والرغبه العارمه في هدم العالم وبنائه من جديد . واحساس يقيني بحتميه اعاده تشكيل المجتمع ليحيا  حياه صائبه ومشبعه .. وتنظيم علاقاتهم لتحطيم عزله الفرد، الحياه بصدق في تشارك تام .. ماهو الخير وما هو الشر .. وما هو المصير .. وماهي الافعال الجوهريه التي يجب القيام بها دون تظاهر لتتاطبق مع طبيعه المرء وحياته حتى يمكن له ان يقول بصدق وارتياح من الاعماق (انا وقدري شي واحد ) ؟...

- يصف أول لقاء له مع عربي كان بكبينة القطار الذي كانت سكته من مصر الى فلسطين يصف الموقف ويقول : 
 (( نهض البدوي الذي كان جالسا امامي ببط وازاح غطاء راسه عن وجهه ، وفتح نافذه القطار المجاوره له ، كان وجهه نحيلا داكنا حاد الملامح ، يشبه وجوه الصقور الحاده اشترى فطيره ثم هم بالجلوس ، حين وقعت عيناه علي دون ان يبطق بكلمه قسم الفطيره نصفين وقدم لي نصفها حين لاحظ ترددي ودهشتي، ابتسم _لاحظت ان ابتسامته تليق بوجهه كما كانت لائقه عليه النظرات الصقريه الحاده _قال كلمه لم افهم معناها في ذلك الوقت . ))
ولكني اعرف الان انها كانت تفضل اخذت نصف الفطيره وهززت راسي شاكرا مسافر اخر يرتدي ملابس اوروبيه وطربوشا احمر _تدخل مترجما : بانجليزيه متعثره قال : (يقول لك انت على سفر وهو على سفر ، وطريقكما واحد ) حين افكر الان في ذلك الحدث الصغير يتبين لي ان كل الحب الذي احببته للشخصيه العربيه بعد ذلك ، لابد وانه قد تاثر تاثرا كبيرا بتلك الواقعه الصغيره . كان لتلك اللفته الكريمه من ذلك البدوي ، الذي شعر بالصداقه تجاه مسافر معه بالصدفه رغم حواجز اختلاف الاجناس واقتسم معه خبزه ، وما اشعرني بانفاس الانسانيه الحره الخاليه من ايه عاهات وعلل نفسيه بشريه ...)) 
   
- يتحدث عن حائل وأهلها في تلك الفترة .. 
((حائل )) مدينه عربيه خالصه ، دعنا نقول اكثر من بغداد بل حتى من المدينه فهي لا تحتوى على اي عنصر من شعوب غير عربيه نقيه في عذريه ونقاء اللبن المحلوب لتوه لا تلمح زيا اجنبيا في اسواقها ، لا تجد بالمتاجر الا ازياء والعباءات العربيه ، والكوفيه والعقال شوارعها اكثر نظافه من اي شوارع مدينه عربيه _بل حتى انظف من نجد المشهود بنظافتها الفائقه عن مدن الشرق البيوت مشيده من قوالب الطين المجفف ، لا تجد منها حائطا متهدما باستثناء ركام اسوار المدينه التي تشهد باثار الحرب الاخيره بين ابن سعود وبين ابن راشد ، وانتصر فيها ابن سعود وغزا مدينه حائل عام ١٩٢١...

- تصوير بمنتهى الإبداع والحنكة الأدبية وهو يستطرد صور عديدة من الصحراء الى مكة الى قبرة زوجتة التي كان لوفاتها أبلغ الأثر في مسيرتة ..
في صمت الصحراء الذي تنيره النجوم مع هبات نسيم عليل يداعب سطح الرمال الناعمه ، تتداخل صور الماضي والحاضر ثم تنفصل متداعيه واحده اثر اخرى مع اصوات استغاثه عحيبه ، عادت الذاكره عبر الاعوام الى اعوامي الاولى بالجزيره العربيه ، واول حج اوديه في مكه ، الى عتمه وكآبه احاطت بتلك الايام المبكره : الى وفاه السيده التي احببتها كما لم احب اي امراه  اخرى  الى اليوم ، والتي ترقد الان تحت تراب مدينه مكه لا يميز موضع قبرها الا حجر بسيط دون كتابه عليه ، والذي كان نهايه طريقها وبدايه طريقي : نهايه وبدايه ، النداء والصدى تعانقا بغرابه في الوادي الصخري لمكه ... 

- وصف بليغ لمشاهد الخوف من الضمأ ..
وان ماتراه ليس الا سرابا طالما افضى بالمرتحلين الى آمال زائفه مخادعه ثم الى الهلاك : في تلك اللحظات امتدت يدي بلا اراده مني لتتحسس قربه الماء الملعقه بسرج الناقه ... 

- وصف دقيق وقراءة عميقة لأعين البدوي النجدي ..
تلكما العينان تقرا فيهما حياه مئات الاجيال التي عاشت في البوادي والصحاري في حريه : تلكما العينان لرجل انحدر من اسلاف لم يستعبدوا من شعوب اخرى كما لم يستعبدوا شعوبا اخرى ... 
نمت داخلي قناعه ان الجزيره العربيه قد وهبتني كل ما يمكن ان تهبه لي ...
صحاري العالم كثيرا ، الا ان هذه الصحراء هي التي يمكن ان تشكل وجدانك ... 

- يصف أيران وأسواقها وتركيبة أهلها ..
(( الناس في البازار هادئون مهذبون صامتون كالاشباح لو نوه احد التجار عن بضاعته فانه يفعل ذلك بصوت خفيض لا ينادون باصوات عاليه او كلمات منغمه كما يفعل العرب في الاسواق العربيه ... ))

- يثير أمور مازالت جدلية الى يومنا هذا  ..
(( اردفت مكملا سيل أسئلتي قل لي كيف دفن علماوكم الدينيون الايمان الذي اتى به نبيكم بكل صفائه ونقائه تحت ركام من المناقشات العميقه لتوافه الامور وكيف حدث ان نباءكم وكبار ملاك اراضيهم يغرقون في الثروه والغنى والنعيم بينما يغرق اغلبيه المسلمين في الفقر والقذاره والصمت مع ان نبيكم علمكم ان لايومن احدكم ان شبع وجاره جائع هل يمكن ان تفسر لي كيف دفعتم النساء الى هامش الحياه مع ان النساء في عصر الرسول والصحابه ساهمن في كل شوون حياه ازواجهن وكيف اصبحت اغلبيتكم جاهله واميه واقليتكم من يعرفون القراءه والكتابه  بالرغم من ان نبيكم اعلن طلب العلم فريضه علي كل مسلم ومسلمه  ))  

- يتحدث عن التنازع العقائدي في ذهنة وكيف كانت الغلبة للإسلام ..
(( كانت صور نهائيه متكامله للاسلام تتبلور في ذهني وبيقين كان يدهشني في اوقات كثيره وهو يتكون داخلي بما يشبه الارتشاح العقلي والفكري اي انها تتم دون وعي اراده مني كانت  الافكارتتجمع ويضمها  ذهني الي بعضها في عمليه تنظيم ومنهجه لكل الشذرات مع المعلومات التي التي عرفتها عن الاسلام خلال الاعوام الاربعه الاخيره رايت في ذهني عملا معماريا متكاملا تتضح معالمه رويدا بكل مايحتويه من عناصر الاكتمال وتناغم الاجزاء والمكونات مع الكل المتكامل في توازن لايخل جزء منه باخر توازن مقتصد بلا خلل ويشعر المرء ان منظور الاسلام ومسلماته كلها في موضعها الملائم والصحيح من الوجود ..
كل مواد التشريع الاسلامي وضعت لفائده كل اعضاء المجتمع الاسلامي دون تميز بالاولاده او الجنس او الانتماء القلبي او مرتبه اجتماعيه لم يخص النبي نفسه باي امتيازات لنفسه او لذريته لم تعد هناك امتيازات خاصه لمرتبه اجتماعيه عليا او مثالب تقع مرتبه دنيا واختفى من الاسلام تماما مفهوم الطبقه الاجتماعيهكل الحقوق والواجبات والفرص المتاحه تنطبق بالتساوي على الافراد المجتمع المسلمين ..
لقد اوجدت رساله الاسلام حضاره لامكان فيها الجنس على اخر لامكان فيه لامتيازات خاصه ولاتقسيم طبقي لا كنهوت وتسلط هيئات دينيه ولا كهانه ولا حقوق متوارثه لنباله محتد وفي الحقيقه لم ينطو على اي امتيازات بالوارثه على الاطلاق كان الهدف خلق مجتمع يدين لله بالاسلام ويحكم نفسه بديموقراطيه واختيار للحاكم كانت اهم صفه بازره لحضاره الاسلام وهي الصفه التي انفرد بها دونا عن كل الحضارات البشريه السابقه عليه او اللاحقه له انهازمنبثقه من اراده حره لشعوبها لم تكن مثل حضارات اخرى سابقه وليده قهر وضغط واكراه او تصارع ارادات او الصراع على مصالح ولكنها كانت جزءا وكلا من رغبه حقيقه اصليه لدى كل المسلمين مستمده من ايمانهم بالله وماحثهم علييه من اعمال فكر وعمل ... ))

- يتحدث عن حبه العميق لمكة وحالة الانسجام مع جوانحه ..
(( الا ان مكه كانت دائما هي هدفي واتجاهي كانت تناديني من زمن طويل قبل ان يعي عقلي انها تناديني كانت تعلن بصوت قوي مملكتي في الحياه الدنيا كما هي في العالم الاخر فمملكتي للجسم كما هي للروح تسع مايفكر به  الانسان وما يحسه ببدنه ومايفعله تجارته وصلاته فراش نومه وعلاقته بالاخرين مملكتي لاتعرف حدا ولانهايه وحين ايقنت من ذلك على مدى الاعوام ادركت الى اين انتمي كانت اخوه  الاسلام بانتظاري من مولدي واعتنقت الاسلام وتحققت امالي في الانتماء لاكون جزءا من كل واحد ..
الا ان حجي الاول كان مقدرا له ان يعمق حياتي اكثر مما عمقت حياته المغامرات العجيبه التي صادفته اما الزا فقد كان الموت ينتظرها هناك ولم يكن لدى اي منا اي توقع بمدى قربه منها ولكنني لم ادرك انني اغادر ماضي كله واتركه خلفي ودون اي انذار وصل عالمي القديم الي نهايته عالم افكار الغرب ومشاعره ومساعيه وتصوراته ومفاهيه كان باب عالمي القديم يغلق في صمت من خلفي صمت مطلق حتى انني ادرك ولم اشعر به اعتقدت انها رحله مثل كل رحلاتي السابقه التي تحولت فيها في بلاد اجنبيه وعدت بعدها الى ماضي الذي تركته الا ان الايام
كانت ستكتشف عن وجه اخر تتغير معه كل اتجاهات امالي ورغباتي ..
_كان التساءل والسعي والدائمان يبحثان عن المطلق حتى في العصور المبكره حين ملا العالم المحير لهم اذهانهم بصور الالهة والعفاريت والجان كانوا يدركون ان هناك الها واحدا فوق كل الالهة التي يصورونها اليه غير مرئي لايمكن اداركه لانه فوق قوه الادراك اله ازلي فوق كل موجوداته لم تكن الات واخواتها المقدسات مناه والعزى الا بنات الرب الوسيطات بين الاله الذي لا يدركونه والعالم الذي يدركونه رموز لقوي لايفهمونها احاطت بالطفوله البشريه الا ان اعماقهم كانت تدرك وجود الاله الواحد كامن في اعماقهم جاهز علي الدوام ليشتعل متحولا الى ايمان واع كيف يمكن ان يكون الامر غير ذلك..
لقد كانوا بشرا عاشوا في عزله بين سماء قاسيه وارض اقسى وكانت حياتهم جافه بين تلك الفراغات الانهائيه الموحشه القاسيه لذلك وجدوا انفسهم في حاجه الي قوه تحتضن وتحتوي كل الوجود قوه معصومه وتتصف بعدل مطلق رحمه الله معاناتهم وحكمه عظمى الله المطلق يقطن في المطلق ويشع حكمته في الانهائي ولكن لانك من صنعه فهو اقرب اليك من حبل الوريد... ))

 - ويختتم كتابه بمشهد درامي أختزله بفقره جميله جداً 
استدرت ملتفتا خلفي وانا سرج ناقتي رايت خلفي الكتله المتماوجه المنسوجه من الاف الراكبين في ملابس بيضاء وخلفهم القنطره التي عبرت عليها طريق حياتي وجئت عبرها الى هنا كانت نهائيا خلفي تماما في تلك الحشود البيضاء بينما كانت بدايتها قد اختفت في اعماق اخفت معالمها ...

الخميس، 5 سبتمبر 2013

من العوز والأحذية للأعناق المرتفعة ( دا سيلفا )


هذا الانسان الرئيس اضطر وهو الطفل السابع وسط ثمان أطفال لأسرة شديدة الفقر أن يسكن في غرفة واحدة في حارة فقيرة في أقصى  المدينة ، لم يستطع  إكمال دراسته الابتدائية , وذلك لسبب الحالة البائسة لأسرته : ترك المدرسة وعمل في بائع للخضار ومن ثم عامل في محطة وقود حتى وصل به الحال ملع أحذية  في النهار وفي الليل يعمل  ميكانيكي حتى  فقد أحد أصابعه أثناء العمل . أستطاع أن  يقود أفواج من العمال للمطالبة بحقوقهم المشروعة عبر تزعمة العديد من النقابات التي أسسها العمال .  رشحه حزبه  لقيادة الامة البرازيلية  بكى هذا الانسان الرائع مرتين الأولي  حينما تذكر والدته وتضحياتها وسنين الفقر والحرمان من الدراسة . والثانية حينما تحدث في أخر لقاء له مع الصحافة في القصر الجمهوري وهو يودع شعبة الذي منحة الحب ومنحهم هو الإخلاص .
يقول الرئيس /  لويس إيناسيو لولا دا سيلفا  " لقد علمتني أمي كيف أمشي مرفوع الرأس وكيف أحترم نفسي حتى يحترمني الآخرون" ويقول أيضا  " أنا أغادر الرئاسة. لكن لا تعتقدوا أنكم ستتخلصون مني لأنني سأكون في شوارع هذا البلد للمساعدة في حل مشكلات البرازيل"  وأخيرا نادراً جداً ما يبكي الرؤساء وقلما يكون بكائهم صادقاً الا أن هذا الإنسان يشعرك بصدق عبراته .

الثلاثاء، 1 يناير 2013

عودة من الماضي للعام الجديد




لقد توقفت عن التدوين مدة طويلة لدرجة أنني نسيت الباسوورد الخاص ببلوقر.! وأتسائل لماذا نكتب بغزارة  في بعض السنين..ونتوقف في سنوات أخرى ..؟ هل من أوقات تتجمد الافكار ..؟ وهل في أيام تنتعش وتحيا .. من المؤكد بأن كل المدونين قد تسائلوا  يوما ما نفس الأسئلة..وأجزم أنهم احتاروا في الاجابة عليها.والأكيد أيضا ان التدوين  لطالما جعلنا نتنفس..فهذا يعني اننا نفكر... إذن لماذا التوقف..؟ لا اعتقد أن الموضوع هو مجرد الرغبة بالكتابة من عدمة  !! هل سرقنا تويتر من المدونات ؟       
هل انتبهتم لقائمة الأصدقاء followers  في تويتر والمدونات التي لدينا…هل دققنا جيدا بهم .. ما وجه الشبه بينهم..؟!  أنهم أصدقاء لا شبه بينهم.! وجوه الاختلاف كبيره بينهم ..لا بالمنطق ولا حتى بالتفكير ..رغم ذلك فهم أصدقائنا  نحترمهم جميعا..ونفتقدهم أيضا..! برغم إختلافهم فيما بينهم إلا انهم . يشبهوننا في لحظات معينة.. هل تتذكرون الصوره ذات الاجزاء المتفرقة ..التي كنا نجمعها لنلصق بعضها البعض ونحصل على صورة كاملة .لو جمعنا شخصيات أصدقائنا..لنرى صورنا كاملة..

الأربعاء، 12 ديسمبر 2012

البحث عن السعادة











من أفضل الأفلام ، لا أستطيع مشاهدة هذا المشهد دون التصفيق معه حين تبكي عيني ويل سميث . اخترت هذا المشهد لانه يبدو للوهنة الاولي انه خارج السياق وانه لا يبدو جميلا كما هو في الواقع . في كل مرة أشاهد هذا المشهد واقتحام دموع ويل سميث  .. ملهمة جدا وكيف كان عليه أن يكبح مشاعره حتى  لا يبدو ضعيفاً . في النهاية القيمة هي النتيجة التي تجسدت في  اللحظات الأخيرة للمشهد وهي عندما يمشي مع حشد من الناس،
" لا تقلق عندما لا يتم التعرف علىك، ولكن أسعى إلى أن تكون جدير بالاعتراف "
                                      (( ابراهام لنكولن ))
ملخص بسيط عن الفلم : 
 قصة الفلم حقيقية، تحكي كفاح شخص اسمة كريس غاردنر  هو بائع مروج ، ولكن يعمل بشكل هامشي. من دون راتب تحت التجربة لمدة ٦ أشهر . كافح من أجل تغطية نفقاته هو وابنة ، غاردنر يجد نفسه وابنه البالغ خمس سنوات من العمر طردوا من شقتهم في سان فرانسيسكو   ولقد تحملوا العديد من المصاعب ، بما في ذلك لا مأوى لهم  .. عاشوا في الملاجئ، وناموا في دورات المياة . 


الأحد، 11 نوفمبر 2012

الحفيدة الامريكية


الحفيدة الامريكية

حين بدأ مكبر الصوت ينقل خطاب حاكم الولاية وهو يقرأ النص الذي يعلن الولاء للأرض الجديدة , حين نهض حشد الرجال والنساء واقفين وارتفعت أصواتهم جميعا مرددة وراءة عبارات القسم بانفعال وتوكيد حين راح الأمريكان الجدد الحاصلون على الجنسية , للتو يتعانقون ويتبادلون التهاني ... حينها سمعت صوت أمي يتحشرج كأنها تختنق والتفت إليها ورأيت وجهها الأبيض الوديع وقد صار قرمزيا كمن داهمتها حمى , والدموع تهطل غزيرة وتفر متبخرة من سخونة خدّيها , مثلما يحدث عندما تتساقط قطرات الماء من إبريق الشاي على عين الموقد الكهربائي مددت يدي وتلقفت يد أمي المتيبسة , بينما الجموع تضع أيديها على مواضع قلوبها وتلهج بالنشيد الوطني الذي تعزفة فرقة للجاز :( يارب احفظ امريكا .. غاد بلس أمريكا ) وكان صوت السيدة العراقية " بتول الساعور " أمي هو النشاز الوحيد الذي يولول بالعربية
 سامحني يا أبي .. يابا سامحني  " 
.......................................................
يقولون أن الهجرة مثل الأسر . كلاهما يتركك معلقا بين زمنين
 فلا البقاء يريحك , ولا العودة تواتيك
أما أنا فأرى الأمر بشكل مختلف .
 أقول لهم أن الهجرة هى استقرار هذا العصر , والإنتماء لا يكون
بملازمة مسقط الرأس
...............................................................
" الشرف العسكري " شرف كنت أقرأ عنه الروايات وأتأثر حين أراة في الأفلام . أتأثر الي درجة التدميع أمام مشهد قائد عسكري منتصر يؤدي التحية لخصمه القائد العسكري المندحر . يحتقن أنفي عندما أري على الشاشة جنديا
يسقط مفتدياً علم بلاده . يجاهد لكي لا يلامس قماشه الأرض
…………………………………………...
لكن أبو غريب كان بعيداً عن الشرف العسكري لم يعد قضية رجال فحسب بل نساء ايضاً . امر أصابني بغضب ينزّ صديداً من أتى بهذه .!!!!. التي تسحب السجين مثل كلب وراءها .. من أتى بها الى الجيش ؟ السجون أماكن لا تصلح للسينما , رغم كل ما صوّروه فيها من أفلام ليس الألم هو البطل بل الإذلال . تذكرت تعذيب أبي في دائرة السعدون . تخيّلت أن المجنّدة " ليندسي إنغلاند " تربط أبي من رقبته بحزام من أحزمة الكلاب وتجرّه وهو عارٍ تصاعد الصديد الى حلقي وأنفي . كيف سأنظر في وجه أبي
.............................................................
مهيمن – لماذا جئتم ؟
زينة – خلصناكم من صدام . كأنني مذيعة في "فوكس نيوز"
مهيمن – طردتم كينغ كونغ من المدينة وقبضتم ثمنه العراق كلّه
...........................................................

" شعرت بالبرد والوحدة وبالوحشة التي تنهش الجنود العائدون وهم يسيرون على عكازات أو يسحبون
وراءهم ساقا معطوبة ولم أكن معطوبة في جسدي لكن مواضع في ذاكرتي كانت تؤلمني وحقيبتي القماشية
الخضراء ثقيلة والناس من حولي يتعانقون ويسرعون الى مستقبليهم "
تلك الفقرات السابقة كانت لرواية أسمها ( الحفيدة الأمريكية )
وهى لروائية عراقية الأصل فرنسية الإقامة أنعام كجة  أعلم بأن الكل لم يقرأ ولم
 يسمع قط بـ هذا الأسم يبدو أن السيدة أنعام كجة  لم توفق بإختيار عنوان الروائية تماما
مثلي لم أوفق بالحصول على نسخة من الروائية إلا بصعوبة وعناء وهذا ما زاد من إصراري لقراءة
راواية ( الحفيدة الأمريكية ) تتجسد الرواية ببطلتها " زينة " وهي أبنة المهاجر العراقي الأمريكي شاءت
الأقدار لها أن تتعرف وتزور العراق لآول مرة مرافقة للجيش الأمريكي الغازي كمترجمة وكانت ترافق
القوات الأمريكية ليلا في مداهمات البيوت لتترجم العبارات المتوترة والخائفة , وكانت تؤرخ كل ما يجري لها
من أحداث عبر الأيميلات التي ترسلها لأهلها في أمريكا وكيف كانت تدون شعورها وخوفها من مدن تقطع بها
الرؤوس بلا رحمة ولا شفقة " زينة " عراقية الأصل مسيحية الديانة من أصل أشوري تعرفت بعمق
ولامست ذلك  كله من جدتها "رحمة " الجدة العراقية
التي لم تكن راضية عنها والرافضة  عملها مع الجيش الأمريكي الغازي وكانت " زينة " تحاول دائما كسب
جدتها " رحمة " بزياراتها المتكررة ولبسها العباءه .. ولكن دون جدوى ! حتى أنها أكتشفت أن لها أخاً في الرضاعة أسمة "مهيمن" وهو مقاتل في جيش المهدي حاليا .. والشيوعي سابقاً والعائد من أسر السجون الإيرانية أثناء خدمتة في الجيش العراقي في الثمانينات .. إستطاعت الكاتبة أنعام كجة جي أن تصنع رواية مليئة بالمشاهد التي تختلط بها تقارير المجندة الأمريكة وتعليقاتها بلحظات مأساوية تحكي حال العراق المحتل والمتحرر من طغيان النظام السابق لقد كانت حبكة الراوية تكمن في توثيق وجمع المعلومات عن الأحداث والمعسكرات والمدن، وحتى في سرد سير الشخصيات المعاصرة رواية الحفيدة الأمريكية تستحق القراءة لأسباب عديدة من أهمها موضوعها الفريدة ومستواها اللغوي العالي ..
"لدي تحفظ شديد على العديد من المفردات الغير لائقة الوارده في الرواية حتى وإن رأت الكاتبة ضرورة الإستعانة بتلك المفردات لتخدم المعني المراد توصلية لمن يتصفح الرواية "


الأربعاء، 10 أكتوبر 2012

أسف هل تغني عن الظلم





قضايا الجيش الايرلندي
القضايا السياسية تثير اهتمامي وفيلم
In the Name of the Father
في أواخر عام ٢٠٠٥ وقف توني بلير ليعتذر رسمياً للأحدى عشر ايرلندي لهم ولأسرهم ولمن عاش منهم ليشهد لحظات الأعتذار الرسمي الذي يقدمة بصفته الرسمية على الاتهامات الزائفة التي وجهت إليهم في قضية تفجير مقهى بلندن وأختصر إعتذارة ” إنا آسف جدا على ما حصل لكم ومن والقهر الواقع عليكم، إنكم تستحقون التبرئة علنا ينقلك الفلم الى اجواء النضال الأيرلندي في عقد السبعينات و الثمانينات وتكمن خلاصة القصة بأن جيري الأيرلندي ورفاقه ووالده وعدد من أفراد أسرهم اعتقلوا بتهمة الارهاب وخيانة الملكة ، وسجنوا لمدة تزيد عن ١٥عاماً حتى اثبتت براءتهم في تحوّل عجيب فضح تواطؤ الجهاز القضائي البريطاني بأكمله على اعتقال المتهمين وسجنهم مع علمهم ببراءتهم في المشاهد الأخير للفلم وبمشهد المحاكمة الأخيرة بعد طلب الاستئناف ، وقد ظهرت على جيري ورفاقة أعراض السنوات الخمسة عشر ، ولحظة البراءة ، مشهد مسرحي مبكي يختتم به العمل

الأربعاء، 8 أغسطس 2012



 كتب رسول حمزاتوف عن رسام داغستاني قابله في باريس كان قد غادر بلاده إلى روما وتزوج إيطالية، وجاب عواصم الأرض.. غير أنه كان يحمل الشوق إلى بلده في نفسه.. وقد كلف رسول حمزاتوف أن يحمل أشواقه إلى أهله  .يقول رسول حين عدت من باريس بحثت عن أقارب الفنان..  ولدهشتي تبين أن أمه لا تزال على قيد الحياة وبحزن أصغى أقاربه الذين اجتمعوا في البيت إلى حديثي عن ابنهم الذي ترك وطنه واستبدل به أرضاً غريبة .    لكنهم كما يبدو كأنما غفروا له  

وفجأة ، سألتني أمه هل تحدثتما بالآفارية ؟
 - أجبتها .. كلا ، تحدثنا بواسطة مترجم
- كنت أنا أتكلم بالروسية وابنك بالفرنسية
غطت الأم وجهها بطرحة سوداء كما تفعل النساء حين يسمعن بموت ابنائهن
كان المطر ينقر على سطح البيت، وكنا نجلس في آفاريا.
وعلى الطرف الآخر في باريس.. ربما كان ابن داغستان الضال يصغي هو أيضاً إلى صوت المطر.. وبعد صمت طويل .. قالت أمه .
- أنت مخطئ يا رسول.. لقد مات ابني منذ زمن بعيد.. هذا لم يكن ابني

السبت، 7 يوليو 2012

محاكمة كاتشي الشهيرة لزعيم المسلم محمد علي



بوجهه الصريح المشرق، وبلحيته التي خطها الشيب إلا شعرات سوداء تحفظ في سمته الرهيب عنفوان الأمل وشباب العزيمة.. وقف "محمد علي" يومين في قفص الاتهام يترافع عن نفسه وعن شقيقه وإخوانه الخمسة في محاكمة كراتشي الشهيرة، سنة 1921، أمام هيئة محلفين من خمسة أشخاص: اثنان منهم هندوكيان، والآخرون مسيحيون أحدهم أوربي.كانت جريمتهم أنهم اشتركوا في مؤتمر رأسه "محمد علي" زعيم مسلمي الهند قبل التقسيم وأصدر قراراً مدعماً بالقرآن والسنة يدعو المسلمين إلى مقاطعة وظائف الحكومة البريطانية في الهند وخاصة العمل في القوات المسلحة، ووقع الإنكليز في حرج شديد..لم ينكر "محمد علي" التهمة، ولكنه اعتز بها، وجهر بحكم الله فيها، وما أتم مرافعته حتى استحالت القاعة محراباً خاشعاً، واقشعر كل من فيها رهبة لهذا الرابض في القفص.. وصدر الحكم فكان مفاجأة للجميع، كان الكل ينتظر من هيئة ليس فيها مسلم أن تحكم "بالنفي المؤبد" فإذا هو حكم بالبراءة‍!مات "محمد علي" (وهو غير مولانا محمد علي اللاهوري رئيس الأحمدية) سنة 1931 عن 53 سنة، ودفن إلى جوار المسجد الأقصى الذي كان يحن إليه ويهيب بالمسلمين إلى الذود عنه، بعد حياة عامرة بالجهاد في سبيل الله، وبالدفاع عن فكرة الخلافة الإسلامية وأخوة المسلمين كافة.إن هذه المرافعة صفحة غراء من تاريخنا الحديث، وبرهان رائع على الحياة التي تجيش في كيان الأمة الإسلامية المغلوبة على أمرها.قبل أن يوجه "محمد علي" كلامه إلى هيئة المحلفين التفت إلى ناحية مجلس المحكمة فقال: (( ألا يمكن أن يجلس المحلفون ليكونوا مني في هذا الجانب؟ إنني أريد إغراءهم كما أغريت القوات المسلحة)) (ضحك في المحكمة).وعلى ذلك أوعزت المحكمة إلى المحلفين أن يغيروا أماكنهم، وكذلك القاضي غيّر وضع مقعده بحيث يواجه المتهمين.ثم نهض مولانا محمد علي في السكون الشامل موجهاً كلامه إلى هيئة المحلفين:أيها المحلفون: قد رجوت القاضي الرئيس ليتيح لي أن أرى وجوهكم، إذ باستثناء واحد منكم لم يكن يتيسر لي ذلك، ولقد قلت إنني أريد إغراء المحلفين، ولقد كان في الحقيقة من وراء ذلك مراد آخر، ربما كان ثانوياً كما قد يقول المدعي العام، لقد كان مرادي أن تكونوا بمثابة ستر بيني وبين السيدات اللواتي يجلسن الآن خلفكم، وإلا فقد يزيد عليّ المدعي العام تهمة (إغراء) أخرى. (ضحك).غير أني على أي حال، أرى أنه نتيجة لمحاولتي في الإغراء قد حولت القاضي لناحيتي اليوم. (ضحك).أيها السادة: أظن أنني سآخذ من الوقت ما أستطيع ولذلك أرى لزاماً عليّ أن أبين لكم إن أردت الدفاع عن نفسي أو عن زملائي لنتخطى حكم النفي المؤبد أو المشنقة أو السجن – ولا أدري ما الذي يدخره القاضي لنا – إنني إن أردت ذلك، لما كان لي في الإطالة عذر أبداً، كلا أيها السادة، فما كان لي أن أضع لحظة واحدة من وقتي ووقتكم لهذه الغاية.إنني لا أبتغي أي دفاع ، وليس لدي ما أدفع به، لأننا لسنا نحن الذين نحاكم، إنها الحكومة نفسها التي تحاكم، إنه القاضي نفسه الذي يحاكم، إن نظام النيابات العامة بأجمعه وسائر مواد القانون هي التي تحاكم، فلا مجال لسؤال حول دفاعي، إذ هي قضية واضحة غاية الوضوح، وقد أبديت شكري للحكومة في المحكمة الابتدائية لأنها تصدت للمرة الأولى وبوضوح سافر وأفسحت لنا المجال لأخذ قرار حول موضوع محدد لدعوى واضحة بينة، ذلك الموضوع المحدد للدعوى البينة الواضحة هو:هل ينبغي لشريعة الله أن تكون أهم لدى التابع البريطاني من قانون الملك – القانون الوضعي- سمّوه صاحب الجلالة، أو صاحب الجلالة الإمبراطورية، عظموه بما شئتم له من تعظيم، أظهروا له كل طاعة، وقدموا له وسعكم من الولاء، احملوا له غاية التوقير والاحترام، أصيخوا السمع إن أردتم حتى لما يثار حوله من خرافات غير أن القضية التي نحن بصددها هي: هل هذا الإجلال أو هذه الخرافات لها أن تقف لحظة واحدة في طريق الولاء الذي يحمله كل إنسان، أيها السادة، إنني لا أفكر لنفسي ولا أفكر من أجل زملائي المتهمين معي، ولكني أفكر لكم، إنه من سوء الحظ أن ليس بينكم مسلم واحد؛ فثلاثة منكم مسيحيون، واثنان هندوكيان، ولكن ذلك لا يهم مطلقاً، فإنني إنما أخاطب أناساً من البشر، إنني أخاطب هنوداً في الأعم الغالب، لا أدري إن كنتم جميعاً هنوداً، ولعل واحداً بينكم غير هندي – إنجليزي مثلا! –ولكنه استقر في الهند ليتخذ منها موطناً، وهو على هذا الاعتبار يمكن أن يعد هندياً! ولذلك فإنني أخاطب على الأقل أكثرية منكم قدموا من بلاد مشبعة بالروح الدينية وهي تقليدياً بلاد روحية جاهدت خلال العصور لإعلاء شأن الروح على الجسد
أيها السادة، إننا نسمع كثيراً عن التسامح في هذه الأيام المستنيرة، ولا أحسب أن أحداً حتى المدعي العام يخالفني إن قلت إننا جميعاً بحاجة إلى هذا التسامح، إن الحكومة البريطانية لم تكلّ من ترديد قولها بأنها حكومة متسامحة، وأن الحكم البريطاني حكم موطد على أساس التسامح، ولست أظن أن هناك حكومة في هذا العالم المتمدن في هذا القرن الموفي على العشرين تجرؤ على القول بأنها تخالف قاعدة التسامح، ولكن، ما التسامح بعد كل ذلك؟ إنه كما ورد في القول المشهور: (سيدي، إنني أخالف كل كلمة مما ذكرت، ولكنني سأقاتل لآخر قطرة في دمي دون حقك في أن تقول ما تريد، ذلكم هو: أي أنه مطلوب حين يقع الخلاف، وحيث يكون الناس على غير رأي واحد، وحيث يتخذ الناس وجهات نظر مختلفة جد متباعدة، وإلا فلا معنى للتسامح، ولكنني مع ذلك لا أنكر أن من الناس من يحمل فكراً خرقاء، وللأسف كثير ما هم، وأحسب أن المدعي العام وهو فرد من الناس لديه بعض أفكار في غاية الحمق، ولا نزال ننتظر لنرى ماذا يحمل لنا القاضي من الرأي، وسنعلم ذلك بعدما أحمل على الصمت، وليس السؤال هنا ما إذا كان حكم الشخص صائباً أم خاطئاً، فقد يكون في أحكام الناس الغباء، إلا أنه، إذا ما أعطاك رجل أو هيئة من الرجال ضماناً لتحمل بحرية آراءك الخاصة وتطبقها، فإنني أعتقد أن من واجبهم أن يلتزموا ذلك الضمان.نريد أيها السادة أن يفهم العالم قضيتنا، ونحب أن تذكروا أن القرار الذي ستتخذونه هنا لا ينحصر منتظروه في الحاضرين في هذه القاعة، أو عشرات الألوف من سكان كراتشي، لقد قيل آنفاً إن القرار الذي اتخذناه في مؤتمرنا الإسلامي لم يكن معنياً به الذين حضروه من بعض العلماء وبضعة آلاف من الناس. إنما اتخذ ليتلقاه عدد أكبر؛ وهذه المحاكمة كذلك تهم أكثر من مستمعي هذه القاعة، أكثر من حضراتكم الخمسة دون شك بل هي في الحقيقة تهم العالم أجمع، إننا نبتغي حقنا في التمتع بحماية القانون لعقائدنا وتعاليمنا الدينية المتميزة،ولتندم الحكومة فتقول: إننا قد رأينا خطأ سبيلنا (ملتفتاً إلى "مستر رُس ألستن ROSS ALSTON" ) هذه هي الكلمات التي يريدها صديقي المستر ألستن لتكون آخر قولي، وإنها لسوف تكون كذلك، ولكن بالنسبة لما هو جدير بالحكومة أن تفعله (ضحك) ولكن هل ترى تقول الحكومة ذلك؟ وهل هي ملتزمة عهدها في إطلاق حرية العقيدة؟ أم أنها ستقول: كلا‍ إننا أقوياء، إننا أشداء، إن لدينا مدمرات، إن لدينا طائرات، إن لدينا هذه المرافق الحربية جميعاً، إن – لدينا مدافع رشاشة- إننا قد دحرنا أقوى أمم أوربا، وإن كان في حلفنا – طبعاً- ستة وعشرون دولة‍! (ضحك) وكذلك رجال الهند وأموالها وسائر مواردها، ولكن هذه مسألة أخرى ! (ضحك) فلا يمكننا التسامح حيال آرائكم وتكاليفكم الدينية. إنها إن قالت ذلك فهو شيء نفهمه ومهمتنا لذلك ليست الدفاع عن أنفسنا، ولكن إظهار هذه القضية واضحة، لأنها قضية وطنية، لا ، بل هي أكثر من ذلك، إنها قضية يتوقف عليها إلى حد كبير تاريخ العالم، هل كلمة البشر في هذا القرن المتحضر ألزم ولاءً من كلمة الله؟ إن القضية ليست "بين محمد علي وستة آخرين من جهة، والحكومة من جهة أخرى،" ولكنها قضية "الله مع البشر" فهي لذلك بين الله والإنسان" هذه هي الدعوى، والمشكل كله "هل سيكون السلطان لله على الإنسان أن للإنسان على الله؟
أيها السادة، لقد كنتم هنا ولم تكونوا المقصودين إذ أبينا القيام حين طلب منا القاضي أن نقوم، لقد اتفق أن تكونوا هنا، ولقد جهدنا دائماً في ألا نظهر للقاضي إلا كل احترام، ولسنا من الحمق بحيث نختلق مضايقات لا لزوم لها لإثارة القاضي واستفزازه، إننا لا نحمل حقداً عليه، وكل ما في الأمر أن ذلك كان لاعتبار احترام الإنسان مخالفة لاحترام الله، وكما قال أخي في محكمة البداية، وكما أقول لكم الآن إننا لا نعتبر الملك ملكنا بعد الآن، إننا لا ندين بأي ولاء لأي إنسان يحول بيننا وبين حقنا في إخلاص ولائنا لله، ليس لدي كلمة أقولها ضد الملك بالذات أو العائلة المالكة، ولكن عندما يكون الأمر أمراً "لله" ضد أية حكومة لا تطلب مني أن يكون احترامي الأول لله وشريعته، ولذلك كانت القضية كلها في الحقيقة كما قلت بين الله والإنسان.
لقد عرض المدعي العام مرافعته بمهارة فائقة، وعندما تعرض لمعتقداتنا الدينية وأحكام الله، كان حريصاً على تخطيها بالسرعة الممكنة، وقد كان يتزحلق على جليد رقيق، فترك كل ذلك ظهرياً إنني الآن أتحداه، إنني أتحدى القاضي ليصدر قراراً في هذه النقطة، إنها ليست مسألة حقيقة تلك التي عليكم معالجتها أيها السادة المحلفون، فإذا عالج القاضي قانونه في تقديره، وحكم علينا، وإذا اتخذت هيئة المحلفين في هذه القضية – التي تمثلون فيها دور المحلفين – قراراً ضدنا، وإذا هو استعمل حقه كقاضٍ بالنسبة للوقائع والقانون في القضايا التي تعطون فيها آراءكم كمستشارين فحكم علينا غير معتبر التزاماتنا الدينية، فعندئذ تتضح طريقنا، لا شأن عندي للعقوبة التي تنتظرنا، ولا تحت أية مادة من مواد القانون ستحل بنا، إذ هناك عدد من هذه المواد: 120ب 131، 109، 505، 117، وهكذا. . . وبالنسبة لهذه المواد والتهم المتعددة ما دام يعنيني أمرها، فقد اختلط عليّ الأمر جداً، وإنني أحاول أن أحصي مجموع السنين التي سيحكم بها عليّ (ضحك) إنني لا أملك سوى حياة واحدة، ولا أدري إن كانت كافية لتشمل هذه السنوات العديدة إذا عوقبت بما أستحق (ضحك).ولكن ذلك لا قيمة له مطلقاً، إن الذي أريد هو قرار من المحكمة نيابة عن الحكومة بأن محاكم الهند ليس في مقدورها منح أية حماية لكل من يفعل مثل الذي فعلت – مع أنها تقر أن الذي فعلت أمر تكلفني به عقيدتي ويأمرني به ربي – إن الله بجلاله ينادي من علياء عرشه الخالد "أيها الإنسان الذي خلقته من علق، ورفعته إلى ما هو فيه من القوة والمجد، مهما تكن، ومهما يكن لديك، فإنني أنا الذي أعطيتك، فاعبدني ولا تعبد أحداً من خلقي دوني/ فمهما يكن ما قد أحمله من احترام للملك فإنني لا أملك ولا أستطيع أن أخضع له حين يدعوني ألا أخضع لله أو أن أعصي أمراً من أمره.لقد تعرض القاضي لمعتقدات بعض الطوائف فافترض فئة من الهندوك تعتقد بتقديم القرابين البشرية، وكذلك قال المدعي العام إننا منقسمون على أنفسنا طوائف وشيعاً يستحكم بها النزاع وكل تدعي الحق لأهلها!
لا مجال هنا أيها السادة لتتبع الحق أو الفساد في العقائد، ثم إن العقيدة التي نحيا بها ليست عقيدتنا وحدنا إنها عقيدة كل مسلم. . وهبوها عقيدة طائفة معينة فهل تقصدون أن نداء الملكة سنة 1858 (في حماية العقائد) قد اشترط أن يتفق ثلاثمائة مليون من البشر في الهند مع أهل الأرض والسموات، وأهل الكواكب السيارة، وسكان القمر وقاطني المريخ، كل أولئكم لابد أن يتفقوا على العقيدة الصحيحة حتى يقدم النداء حمايته؟! إنه لا داعي للتفكير في حماية مثل هذه العقيدة!ليست هذه القضية قضية اعتقاد فرد ما، أو فكرة عدد محدود من المسلمين – وإن كان لا يسوغ لكم بحال المساس بالمشاعر الدينية لجماعة مهما قل عدد أفرادها – إنها قضية هذا الدين الإسلامي؛ فما من فرد يدعي أنه مسلم يستطيع تخطي حدود هذا الكتاب (مشيراً إلى القرآن الكريم)انظروا إلى هذه الترجمة الإنكليزية: هذا كتاب مليء بالمعاني المكررة، ولا يتجاوز ما بين دفتيه خمسمائة صفحة، وهو مع ذلك يشكل المصدر الرئيسي لقانوننا الديني، وأود هنا أو أوضح ذلك حتى لا أدع مجالاً لسوء الفهم، فينبغي أن تعلموا من أين تستقى تعاليم الإسلام. إن أصل الدين كله تحويه دفتا هذا المجلد الدقيق؛ ثم يأتي بعده في الدرجة الثانية أحاديث الرسول، وبالنسبة لذلك المصدر الأصيل (مشيراً إلى القرآن الكريم) ليس هناك في المسلمين من يختلف حول صحة مقطع واحد فيه! ولذا تجدون أن هناك أساساً صخرياً راسخاً لعقيدتنا لا أثر للخلاف بين وجهات النظر حياله، أما أحاديث النبي فإنه لو روي لنا حديث بسنده مما ورد في هذا الكتاب فليس هناك في المسلمين من يقبل ذلك الحديث، فإننا لا نقبل ما ينسب إلى الرسول إن كان مخالفاً للقرآن، أما إذا كان مفسراً له أو مفصلاً لمجمله فعلينا عندئذ قبوله..إنكم عند تسجيل المتطوعين تأخذون عليهم تعهداً كتابياً وتلزموهم بقسم مخصوص، وهاكم اللائحة. (مبدياً اللائحة) في هذه اللائحة تجدون هذا السؤال: (هل تتعهد بالذهاب حيثما تؤمر في البر والبحر؟. . )وعلى كل جندي حين ستقدم متطوعاً للجندية أن يجيب بالإيجاب على هذه الأسئلة ويمضي اللائحة، فلنفترض أن الرجل هندوكي، وأن الضابط أمره أن يذبح بقرة ليجهز له لحمها. إنه يرفض ذلك ولا ريب، ويتلو له شواهد من كتابه المقدس، وليس هناك فقرة من قانون العقوبات الذي بين أيديكم تمكن القاضي أو المحلفين ليقرروا أن هذا الرجل مذنب تنفذ عليه العقوبة لأنه يتصرف وفقاً لتعاليم دينه، قولوا بإمكان ذلك حتى أكف فأجلس!. . كلا أيها السادة، عليكم أن تكتبوا على كل فقرة في الدستور الجزائي، وعلى كل قانون، تلك العبارة المحببة التي يستعملها المشرعون: " دون إجحاف " بمعتقدات الرجل الدينية، قد تقولون بأن هناك من العادات المستهجنة مالا يمكن السماح به، وهنا عليكم أن تبينوا أي العادات تبيحون، وما هي الشروط التي يُنال تسامحكم حين نوفرها، إنه حتى القتل لا يعد قتلاً إن كانت تعاليم الدين تأمر به، وقد أعطى النداء حماية القانون لتلك الديانة، وقد تقولون إن في هذه البلاد الكثير من الديانات والمذاهب، إذن فعليكم أن توضحوا الشروط التي لابد من توفرها في الديانة حتى تستحق الحماية، فإذا أوفى بها المواطن يعتبر موالياً، وكل من تسول له نفسه بالخروج على هذا الولاء إما أن ينفى من هذه البلاد، أو أن يطردكم لينعم بالعيش فيها!.إن صاحبي المدعي العام كان أخبركم بأننا قوم في غاية الإخلاص، وأننا صرحاء لا نعرف المواربة، إنني أشكر له هذا الثناء، وإنه إن كان أقر به لحاجة في نفسه فإنني سأحاول الاستفادة منه لبلوغ مأربي أيضاً.أيها السادة، إنكم ستعلمون الآن أننا لسنا القوم الذين يسهل إرهابهم ليعمدوا إلى الكذب حتى يتفادوا القصاص إن كنا نستحقه بموجب هذه البينات التي بين أيديكم، وكلها تافه لا قيمة له، وإنني لن أشغلكم بتوافه الأمور، ومحور القضية كلها: هل يعطي نداء الملكة الحرية للديانة الإسلامية أم يستثنيها؟ فإذا كنا نطلب من الجندي المسلم أن يتخلى عن خدمته في الجيش البريطاني وأن يأبى التطوع ويطلب من الآخرين أن يفعلوا ذلك، ونعلن ذلك ونثبته من القرآن فإننا في تلك الحالة لا نكون مذنبين، ولا سيمكنكم معاقبتنا؛ فحيث لا يخالف قانون العقوبات القرآن يسري مفعوله، فإن خالف القرآن فقانون العقوبات لغو فارغ.إن القاعدة العامة تقتضي أن يحاكم الأشخاص فرادى، وأن تبحث التهم واحدة واحدة كذلك، وإلا فقد يتأثر القاضي والمحلفون فيميلون بأحكامهم، إنني لا أعلم سبباً لهذا الخلط في الاتهام إلا أن يكون ممثلو التاج قد اتفقوا على مؤامرة (ضحك) فحشدوا هذا العدد العديد نمن مواد القانون ليشتبه الأمر على الجميع، ولا أدري إن كان منكم من فهمها بوضوح، أما من جهتي، فلم أستطع أن أفهم على وجه التحديد ماذا كان الاتهام الأول، وكذلك الثاني، وما الذي هو من شأن القاضي، وما الذي هو من اختصاصكم كمستشارين، كل ذلك لم يتضح لي حتى اليوم، وإنني لما أحضرت إلى هنا من والتير (WALTAIR) سألني واحد من الشرطة الذين كانوا يخفرونني في القطار الخاص عن التهمة التي أخذت بها فلم أدر بم أرد عليه، ولكنني أخبرته أن لائحة اتهامي تستند إلى المواد 120و 131و205و117 فعلق الشرطي ساخراً بقوله: (إنهم يحشدون من المواد ما يشاؤون، وهي على كل حال مواد من صنع محلي) (ضحك).لست أدري إن كان منكم أيها السادة من لعب البليارد. . تستخدم في هذه اللعبة كرات ثلاث، وتربح بأن تضرب كرتك بحيث تصيب بها الآخرين، أو تصيب إحداهما ثم تسقط في إحدى الحفر المعدة في منضدة اللعب، أو أن تدفع بهما إلى الحفر، وقد يتفق أن يكون وضع هذه الكرات (المنحوسة) على المنضدة بشكل تحار معه كيف تصنع حتى تنجح الضربة؛ وهذه الحالة تحصل عادة بصورة مزعجة للمبتدئين على الخصوص، ونصيحة الخبراء حينئذ أن يقولوا: اضرب بقوة ودع النتيجة للحظ والمصادفة!( ضحك) وليس بمستبعد أن يكون الكسب بذلك؛ وهي في نظر خصمك رمية من غير رام، وهي ضربة في غاية الصعوبة طبعاً في نظره (ضحك).ذلك أيها السادة في الواقع ما فعلته النيابة بهذه الاتهامات، لقد ضربت بقوة، وهي تعتمد عليكم وعلى القاضي في الكسب، فقد تصيب من هذه المواد العديدة واحدة أو اثنتان!! (ضحك).لقد عرفت بالصراحة، فإننا قوم جد صرحاء، ولكم أن تتأكدوا أننا صادقون كذلك، وفيما يختص بأية قرارات كانت لتعلن بها القوات المسلمة المسلحة في الهند –حتى ما يختص منها بتعاليم الإسلام- فليس أمامكم من الاتهامات ما هو أكبر من ذلك القرار، بيد أنه في الوقت الذي يدعي فيه المرء بأنه مسلم، عليه أن يلتزم ويخضع لكل ما ينص عليه القرآن الكريم؛ فإني إذا أعرضت عن آية واحدة منه، فإنني حينئذ لا أكون مسلماً، بل قد أكون شر الخاطئين، وقد أبلغ الغاية في الإثم، غير أنني ما دمت لا أنكر شيئاً قط من هذا الكتاب فإنني لا أزال أعد من المسلمين: ولكن منذ اللحظة التي أعرض عنه مهما كنت تقياً لا أكون مسلماً، إن كل ما تحويه دفتا القرآن يطالب المسلم بشرع القرآن نفسه أن يبلغه للناس كافة حتى غير المسلمين، خذوا مثلاً صديقي الجليل هنا مولانا حسين أحمد شيخ الهند، وقد كان قبض عليه في الحجاز حيث أمضى من عمره عشر سنين يدرس أحاديث الرسول في المدينة، فأخذ إلى مصر ثم إلى مالطة، فلو فرضنا أنه جلس خارج بيته وتلا من القرآن هذه الآية: ((ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً))ولنفرض أنه أثناء تلاوته مر جندي مسلم، فهل تقولون بأن مولانا حسين أحمد قد اقترف جريمة بمقتضى المادة (505) من قانون العقوبات الهندي؟ إذا كنتم تقولون بذلك فلم كل هذا الكلام عن التسامح؟! وافرضوا أن جندياً من مسلمي الهند دخل المسجد حيث يؤم الصلاة مولانا، فهل يكون مولانا مجرماً إذا تلا تلك الآية في الصلاة بحضوره.وهاكم قضية أخرى: جندي يأتي إليه فيقول: (أريد يا مولانا أن أعرف حكم الإسلام في هذا الأمر: إنني مطلوب للسفر إلى (ميسوبوتاميا) للقتال ضد الخلافة، فهل يحل لي أن أذهب فأقاتل المسلمين؟) فيجيب مولانا إن ذلك غير جائز، لأنه إن أفتى بجوازه يصبح كافراً، وإن أمسك ولم يتكلم تلحقه لعنة الله والعالمين ولذلك يتحتم عليه أن يقولLلا) إن ذلك لا يجوز، فإن واجبه كمعلم ديني عندما يأتيه من يستفتيه أن يوضح له بالصدق حكم الإسلام، فإن لم يستطع خشية قانون العقوبات فإنها هاهنا – والحق يقال_ تتنزل اللعنة.خذوا مثلاً آخر: يسافر مولانا في قطار فيصادف جنوداً مسلمين ذاهبين إلى (ميسوبوتاميا) لقتال جنود الخلافة أو من أعلن الجهاد من المسلمين، فيعظهم مولانا بأن ذلك محرم في الإسلام لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) فهل يحال بذلك بين مولانا وحماية القانون؟ قد تقولون: لا بأس بأن يجيب بذلك عندما يسأل عن حكم الإسلام كواعظ ديني، ولكن ليس من واجبه أن يعتلي سطح المنزل وينادي من فوقه بذلك، فإن عمله حينئذ يكون تحريضاً وإغراءاً تنطبق عليه المادة (505) والمادة (117). . وإنني أقول: إنه حتى في تلك الحالة تكون مؤاخذته من العسف الذي هو أبعد ما يكون عن التسامح، لأن القرآن يبين بوضوح من ينال الفوز في الآخرة ممن يحق عليه العذاب الأليم، واسمعوا هذه السورة القصيرة من القرآن حيث يقسم الله9 تعالى بالعصر فيقول:((والعصر إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)).إن الشروط الأربعة التي تلزم المسلم حتى ينال الفوز والنجاة قد احتوتها هذه السورة، وهي أقصر سورة في القرآن: إن خلاص الإنسان مشروط بأن يعمل بمقتضى عقيدة الإسلام، ثم هل تظنون أن من يعتنق الإسلام فيقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان ويحج البيت، ولا يؤذي أحداً ، هل تظنون أنه بذلك يكون أهلاً للنجاة والفوز يوم الدين؟ كلا! لأن القرآن يقول إن الخطوة الثالثة (بعد الإيمان والعمل الصالح) أن تبلغ هذا الخير إلى كل إنسان، وعليك أن تدعو لهذه العقائد، فإنك لم تولد لتنجو بنفسك وإنما أوجدت هنا لتأخذ بيد من حولك، ولذلك كان على المسلم القيام بهذه الواجبات الثلاثة: الإيمان بعقيدة الإسلام، والعمل الصالح بمقتضى هذا الإيمان، والدعوة إلى الإيمان بتلك العقيدة.ولنفرض أن مسلماً يعتقد بأن قتل المسلم حرام فلا يقتل مسلماً، ولكنه يترك غيره يفعل ذلك، مثل هذا المسلم قد لا ينال النجاة. وإن هو لم يتقاعس، ونهض يذكر الناس بأن ذلك حرام فقد لا ينال النجاة كذلك حق يثبت على دعوته ويصبر ولو باء بالفشل، فإذا أخفق في الدعوة وابتلي فيها بأحكام المادة (505) والمادة (117) ونصبت أعواد المشانق فماذا يطلب منه؟ عليه أن يتجلد ويصبر! إنه قد يشنق وربما يغرق أو يصلب، ولكن الواجب هنا أن يثبت على دعوته؛ وبذلك ينال الفوز العظيم وينجو من الخسران المبين، ولا يجوز له بحال من الأحوال أن يخالف من تنزيل الله حرفاً واحداً، وعليه أن يلتزم بكليته ويواجه به جميع الظروف.أيها السادة:إن سيداً عسكرياً من أمثال الكولونيل جوير (COL GWYER) الذي يحضر هذه الجلسة، واسمه الكولونيل بيتش (col beach) ذهب إلى بومباي، وكما ورد في برقية لصحيفة بيونير (PIONEER) قابل هذا الضابط الشهم الذي قدم من قيادة الجيش في سملا بعض زملائي من مراسلي الصحف المحلية ووكالات الأنباء على مائدة مستديرة، وكان مما صرح به مناسبة إلقاء القبض على إخوان علي (ALI BROS) مع أن القضية لم تزل في يد العدالة. (يقرأ من الجريدة) فيما يتعلق باعتدال ((إخوان علي)) يقول الكولونيل بيتش كعسكري (( إنه كان جديراً بهؤلاء الذين يحاولون إغراء الجنود للتحلل من ولائهم للحكومة أن يتفكروا قليلاً: هل يمكن للجندي الذي نكث ولاءه أن يعود موالياً لأي أمر مما كان موالياً له من قبل؟))ذلك قول الكولونيل بيتش كما يخبركم بصفته العسكرية، مرحى كولونيل بيتش! (ضحك) إن ذلك يبدو رأياً سديداً ومنطلقاً ممتازاً بالنسبة لجندي! (ضحك).ولكن لأتكلم كمسلم لا كجندي، هل لي أن أسأل: من هو المغري؟ إن كل طفل يولد في هذه الدنيا على الفطرة جندياً لله ثم يفتنه أمثال الكولونيل بيتش والكولونيل جوير ممن نصبوا أنسفهم للفتنة والتغرير فيبعدونه عن واجبه الأول وولائه الأوحد، وهل لنا أن نسأل كذلك هؤلاء أمثال بيتش وجوير: هل جنود الله الذين تحللوا مرة من ولائهم لله يمكن أن يعتمد على ولائهم لهم أو للغاية التي كسبوها من أجلها؟ إن الواجب الأول على المرء ولائه لربه، وإن القرآن يقول بأن أرواح البشر قبل أن تحل في الأجساد سألها الله تعالى ((ألست بربكم قالوا بلى)) إذن فاشنقوا هذه الأرواح جميعاً أيها السادة، فهناك كان أصل الاتفاق الذي تبحثون عنه لإثبات هذه المؤامرة الإجرامية بموجب المادة 120 (آ) و120(ب) (ضحك) كلا أيها السادة، إن صاحبكم بيتش وأمثاله في قيادة جيش سملا، وصاحبكم جوير وأمثاله من قواد الجبهة الغربية هم الذين يفتنون الجنود عن واجبهم، فإن كانت لديكم أية عقيدة، وإن كان لديكم أي إيمان بالله، فإن واجبكم الأول وولاءكم الأسبق إنما يكون لله رب العالمين، أليس ذلك من واجب المسيحيين الذين يؤمنون بالله؟ أليست تلك عقيدة الهندوك؟ أليس واجب الهندوكي الأول طاعة ربه كريشنا؟ . . ثم بعد ذلك لا نزال نتكلم عن الولاء للملوك!.لقد أصدر كاتب إنكليزي، مسيحي غير مسلم يدعى هـ . ج. ولز (H.G.WELLS) كتاباً رمزياً بعد الحرب (العالمية الأولى) عن الشعب البريطاني ولا أدري إن كان اتفق لأحدكم أن قرأه، وعنوانه ( مستر برتلنج يبصرها)فماذا يقول؟ ماذا يرى مستر برتلنج المفروض فيه أن يكون الإنكليزي العادي خلال تلك الحرب المروعة؟إنه يقول: إن رأس الأمر الدين، وإن غاية الأمر الدين، والمرء الذي لم يبدأ حياته به لا يتمتع بحياة حقيقية، ولا يجد المعنى الحقيقي للحياة، إن ولاءه الأول وواجبه الأوحد لله.. قد يتمتع ببعض التكريم، وقد ينال شيئاً من الولاء؛ غير أن هذا الولاء وذلك التكريم بمقابلته بالولاء والإخلاص لله، يذوي كالورقة التي يلفحها اللهب المشبوب، فتذرها الرياح الأربع، أو تلوث يد الممسك بها بالسواد.ذلك ما كان يراه الرجل الإنكليزي العادي خلال هذه الحرب، وهو قول نشر على الملأ، ثم بعد الحرب يتخذ شرع الله ظهرياً بالنسبة لنا في الهند لأن قانون البشر – 120 ب و505 و 117 – يستعلي على شريعة الله!.مما ينسب إلى المسيح أنه قال.. (تقاطعه هيئة المحكمة وتقف معلنة وقف الاستماع لجلسة اليوم قبل إتمام الجملة)
مولانا محمد علي: لا بأس أيها السادة، لقد أوقفتني المحكمة عند (المسيح) وسأحدثكم غداً عن لك القول الذي يعزى إلى المسيح.( وبذلك انتهت مرافعة مولانا محمد علي في يومها الأول).(في اليوم التالي انعقدت المحكمة في الساعة الحادية عشر صباحاً، وتابع مولانا محمد علي مرافعته موجهاً الكلام إلى هيئة المحلفين).أيها السادة المحلفون:كنت أوضحت لكم أن نداء الملكة قد أعطى حماية القانون لجميع رعايا الهند البريطانية في ممارسة شؤونهم الدينية اعتقاداً وتطبيقاً، وكنت قررت لكم أن ذلك هو أساس القضية، وأن العمل الذي يصدر عن أي شخص في الهند –مسلماً كان أو هندوكياً- ما دام هذا العمل مما يتصل بالتعاليم الدينية، فلا سبيل لقانون العقوبات أو أي قانون آخر مما حملت عليه الهند البريطانية ليقف دونه أو يصل إليه بجزاء لأن القانون يعطيه حماية تلك التعهدات. غير أنه لابد من إقامة الدليل بأن ما قام به من عمل هو مما تأمر به تعاليم دينه.وكما أخبرتكم بالأمس، أن هذه المحاكمة في الحقيقة هامة جداً، لأن القضية الواضحة فيها هي: هل لشريعة الله أن تسود أم لقانون البشر أن يهيمن على شريعة الله؟هل لنداء الملكة أو عهد الملكة أية قيمة؟ وهل القاضي ملزم بالعمل بهما وكذلك المحلفون؟..إنه بوسعي أن أشرح قضيتي إذا كان القاضي قد أعد قراره، إنني لا أدري على أي أساس يتخذ ذلك القرار، ولكنه قرار هام على أية حال بالنسبة لهذه القضية.ليس لكم أن تأخذوا قانونكم عن المدعي العام أو عني، غير أني أحب أن يكون واضحاً لديكم، أيها السادة المحلفون، إنكم إن منعتم اليوم هندوكياً أو مسلماً أو مسيحياً حقه في القيام بواجبه أمام الله والعمل بما توجبه عليه عقيدته ابتغاء ثواب الآخرة وخشية العذاب، ولم تسمحوا له أن يمارس تعاليم دينه، فإنكم بعملكم هذا تكونون شركاء في جريمة تدمير الحرية الدينية التي يتمتع بها الناس في هذه البلاد.كنت أتكلم أمس عن مستر هـ .ج. ولز (H. G. WEES) في كتابه (الله ، الملك الذي لا يرى) وكذلك في كتابه الآخر، قصة (روح أسقف) إنه يقول بأنه ينسب إلى السيد المسيح عيسى عليه السلام قوله 0دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله) ثم يسأل: من هو ذلك القيصر الذي يشاطر الله في ملك هذه الدنيا؟ ما الذي يعتبر ملكاً لقيصر وليس هو في نفس الوقت ملكاً لله؟ أليست الدنيا مقسومة شطرين بين الله وقيصر، كلا فإن الله تعالى هو الحاكم الوحيد.. إن الملك، أو أي مخلوق وليكن رئيس جمهورية أو قاضياً أو عضو هيئة محلفين، إذا طالبك بأمر فلابد أن يطلبه الله، أما إذا كان في تلبية ذلك الطلب ما لا يرضي الله فلا سمع ولا طاعة!.. ويقول مستر ولز (ويوشك هذا المذهب أن يكون هو الديانة العالمية الحديثة)وعلى أي حال، إذا صح ذلك أو لم يصح، فإن هذه الفكرة جزء من عقيدة المسلم بكل تأكيد إنها ليست عقيدتي الشخصية أو هواي وأوهامي، إنني أتحدى الحكومة وأتحدى المدعي العام أن يحضر مسلماً واحداً يقول غير ما قلت!!.ألا فلتعلموا أن كل مسلم يعيش في الهند البريطانية – بل في أي مكان – إذا كان عليه أن يخضع لقانون البلاد فإن ذلك لا يكون إلا في حدود معتقداته الدينية، وهذا عين ما قلناه لنائب الملك سابقاً عندما كنا في المعتقل وعرض علينا شروطاً خاصة للإفراج عنا بأن نفعل هذا وندع ذاك، فقبلنا على شرط عدم المساس بعقيدتنا وكذلك منذ زمن بعيد أرسلنا كتاباً إلى نائب الملك بواسطة رئيس سجن بتول (BETUL JAIL) حيث كنا معتقلين قلنا فيه:ولكن حيث أن الحكومة كما يظهر ليست تعلم كيف تصبغ عقيدتنا أعمالنا، وكيف ينبغي لأعمالنا أن تصطبغ بها – ومن هذه الأعمال ما بعد من الأمور الدنيوية – فإن شيئاً واحداً لابد من إيضاحه هو: أن الإسلام لا يجيز لأحد من أتباعه أن يصدر حكماً على مؤمن آخر دون برهان مبين، ونحن كذلك لم يكن باستطاعتنا بالطبع أن نقاتل إخواننا المسلمين ولما نتأكد من أنهم معتدون، أو أنهم لم يحملوا سلاحهم في سبيل الذود عن عقيدتهم.إننا ى نريد أشخاص الحكام، ولكنا نريد بسرعة تأسيس حكومة مسئولة تجاه الشعب الهندي الموحد.وقد أملنا أن نكون قد وضحنا الأمور بما لا يدع مجالاً للريبة أو سوء التفاهم.وهنا أمر آخر لابد له من زيادة الإيضاح حيث أنه قد تبين لنا منذ ذلك الحين أن مبادئ الإسلام التي سنذكرها الآن ليست مفهومة عموماً، عند غير المسلمين كما يجب أن تفهم وخصوصاً في الدوائر الرسمية، إن عقيدة المسلم لا تقتصر على الإيمان ببعض المعتقدات والسير في الحياة بحسبها، بل لابد للمسلم فضلاً عن ذلك أن يبذل ما أوتي من جهد – دون اللجوء إلى الإكراه طبعاً – في تبليغ هذه العقيدة إلى غيره، حتى يؤمنوا بها ويخضعوا حياتهم لأحكامها، وذلك هو تعبير القرآن الكريم بالآمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهناك أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين هذا التكليف الخطير في الإسلام.ليس للمسلم أن يقول: لا شأن لي بأخي، فإنه لن ينجو حق النجاة إلا إذا حض أخاه على فعل الخير ونهاه عن الشر، فإذا أكره مسلم على أن يخوض حرباً ضد مجاهد المسلمين فليس عليه أن يأبى مخلصاً وحسب، بل لابد – ما دام يقدر الفوز في الآخرة حق قدره- أن يجتهد في إقناع إخوانه حتى يأبوا إباءه، هذه هي عقيدتنا وعقيدة كل مسلم، وهي التي نطالب لنعيش بها أحراراً، فإذا ما حيل بيننا وبين تبليغها فلابد من أن نصل إلى القول بأن المواطن الذي تحد منه هذه الحرية لا يكون وطناً آمناً لعقيدة الإسلام.لقد كانت التهمة الأولى التي وجهتها لنا الحكومة في السابق إنه (خلال الحرب احتيج إلى المسلمين، مع التحدي لالتزاماتهم الدينية..) لاحظوا التعبير أيها السادة، (لمساعدة الحكومة في خوض الحرب ضد الخلافة والمجاهدين) أتدرون ماذا صنع نائب الملك في ذلك الحين؟ إنه لم يشنقنا بموجب المادة 121، ولم ينفنا مدى الحياة كما تقتضي أحكام المادة 131، إن كل ما فعله أن أطلق سراحنا وأعد لإرسالي إلى إنجلترا حتى أوضح شريعة الإسلام لرئيس الوزارة وأعضائها هناك، ونحن الآن ولنفس السبب، نحاكم على مؤامرة جنائية.ليت شعري ما الذي يميز حالتنا عن غيرنا من المسلمين؟ وما الموقف في هذه القضية تجاه تلك الآلاف، بل مئات الآلاف ممن يقولون اليوم بنفس ما نقول؛ لم لا يحاكمون معنا؟ ولقد كنت شكوت من تفكك الاتهام لأن عدداً كبيراً من المتهمين يحاكمون على عدد كبير من التهم، ولكنكم لن تجدوا قاعة تتسع لمحاكمة الذين يجاهرون بتلك العقيدة مرة واحدة.كما قلت مكرراً إنها ليست اعتقاداً فردياً، وأنا الذي عشت مع رجال الإنكليز، وذهبت إلى إنكلترا لتلقي العلم في أكسفورد، أنا الذي كنت على أتم صداقة مع الشعب الإنكليزي، إن عليّ مع كل ذلك أن أقول بأنه لا ينبغي لمسلم أن يخدم في الجيش البريطاني حيث يحمل على قتل إخوانه في سبيل الباطل، لأن من واجبي أن أقول ذلك.لقد قلت سابقاً، وأقول الآن ولا أزال أردد ما حييت بأن ذلك غير جائز في الدين، وما أبالي أن أعلق على المشانق؛ وإنني لأرجو أن تنادي رفاتي من باطن القبر أن هذه هي عقيدة المسلمين.وبعد فلنأت إلى التهمة الأولى الموجهة ضدنا الآن،والتي تجلسون للقضاء فيها كمستشارين.لقد بلغتم ورأيتم بأنفسكم أنه لم يؤت بأي شاهد ليثبت أنه كان هناك أي اتفاق في أي وقت من الأوقات، لقد سألكم صديقي هنا (المدعي العام) أن تأخذوا بالاتهام على أساس الاشتباه، أي اشتباه؟ هل تراكم على عزم شنقنا بسبب هذا الاشتباه الذي لم تقم أدنى قرينة لإثباته؟!!ما من أحد قط شهد بأنه رآنا أو سمعنا أو اشتبه بأننا في مؤامرة أو اتفاق لارتكاب أي ذنب من الذنوب، لقد كنت في إنكلترا في شهر فبراير 1920، ولعله في نفس اليوم الذي كنت فيه أقابل القائم بأعمال سكرتارية الدولة، انعقد مؤتمر في كلكتا اتخذت فيه قرارات معينة، هذا كل ما كان من دليل ضدي، ومع هذا فإن على هذا الاشتباه أن يقوم مقام الدليل عند المدعي العام وإن أية قرينة كافية لنفينا مدى الحياة.أيها السادة، إنني أستطيع أن أقول إنني لا أعرف شيئاً عن هذه المؤامرة، إنني لم أعلم متى ذهب شقيقي إلى أسام (ASSAM) إنني لم أعلم شيئاً عن ذلك حتى قام المدعي العام وقال بأنه سيأتي بشاهد لإثباته؛ وبذلك علمت للمرة الأولى أن أخي ذهب إلى هناك.. ذلك الماكر!! إنه يذهب دون علمي؛ وبجريرته أنفى مدى الحياة! إن ذلك أسوأ ما في أن يكون المرء شقيقاً أصغر (ضحك).إن ذلك لا يعتبر دليلاً على الاتفاق لارتكاب عمل جنائي، وليس لكم أن تزعموا ذلك، ولابد للتهم من إثبات لا شبهة فيه. بالنسبة لمؤتمر كراتشي إن لشقيقي منفذاً من الاتهام به من حيث أنه لم يتكلم فيه، ولكن المدعي العام يستطيع أن يسد تلك الثغرة أيضاً:كان لمزارع في استراليا ابن على حظ من الذكاء قليل حتى لقد كان يدعوه الناس الأبله، وحيثما صحبه أبوه نال بسبب بلهه نوعاً من المهانة، وقد دعي الوالد إلى حفل مرة؛ وأصر الابن على مصاحبته، فأبى الوالد خشية أن يتكلم ابنه بين الناس فيدركوا أنه أبله فتلحقه مهانة أخرى. غير أن الابن وعد بأن لا ينطق في الحفل بكلمة، وبعد لأي قبل الوالد أن يصحبه على هذا الشرط، وهناك جلس الابن في ركن قصي؛ وقد تقدم لمحادثته عدد من الناس فلم يجب واحداً منهم بحرف، وعندما تقدم آخر ليلقي إليه سؤالاً قال له أحد الضيوف: (ما فائدة سؤال هذا الرجل، ألا ترى أنه أبله؟.. )وفي الحال صاح الابن بأعلى صوته منادياً أباه الذي كان يجلس منه في الطرف الآخر من المائدة: أبي، لقد عرفوها مع أنني لم أتكلم!(ضحك)وهكذا حرز المدعي العام أن أخي كان متآمراً في مؤتمر كراتشي مع أنه لم يتكلم!واستأنف مولانا محمد علي مرافعته فقال:إن المسلم الذي يرتضي الإسلام ديناً، ويهتدي بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم موافق ضمناً على عدم شرعية انضمامه إلى جيش يحارب المسلمين، ويقتلهم بغير حق، وعلى ذلك فالقرار الذي تتهموننا باتخاذه في مؤتمر جماعة العلماء لم يكن سوى حكم معلوم واضح في الإسلام أعلناه.إلا أن هناك عدا عن ذلك قرار اتخذناه بكل عزم وتصميم، وهو أنه إذا اتخذت الحكومة البريطانية بصورة مباشرة أو غير مباشرة، سرية أو علنية، أي إجراء عدائي ضد حكومة أنقرة فإن المسلمين في الهند سيضطرون إلى أن يلجأوا إلى العصيان المدني تضامناً مع المؤتمر، وأن يعلنوا في المؤتمر القادم في (أحمد أباد) استقلال الهند وتأسيس حكومة جمهورية فيها.أيها السادة، لم يكن إعدادنا فقط للعدوان البريطاني السافر ضد حكومة أنقرة، ولكن للإجراءات السرية أيضاً، وسواء المباشر منها وغير المباشر، أجل غير المباشر بواسطة اليونان.. إننا نعلم جيداً سياسة الإنكليز: يعرف بعضهم في أكسفورد كرة القدم بأنها اللعبة التي تضرب فيها الرجل بقدمك إن لم تظفر بضرب الكرة، أما الرجبي (RUGBI)فهي اللعبة التي تضرب فيها الكرة بقدمك إن لم تستطع ضرب الرجُل! وكذلك يريدون إسقاط كل أمة، وعلى الأخص العثمانيين، ولكن على القاعدة المتبعة في لعبة الرجبي، فلا يقاتلون بأنفسهم إلا حيث لا يجدون من يقاتل عنهم!أيها السادة، إن هذا الأمر خطير حقاً، وإننا ما زلنا على بينة مما نحن مقدمون عليه؛ وكل ابن أنثى من بيننا قد يشنق بسبب ذلك، ولقد كان خيراً لنا أن نعدم رمياً بالرصاص بدلاً من إحضارنا إلى هذه القاعة لنشهد هذه المهزلة في محاكمتنا: للقاضي والمحلفين، وكل ما يتبع ذلك من أدوات.. ولقد كان الأيسر اختصار هذا الطريق الطويل الملتوي، فلا اتهام ولا قضاة، ولا محلفون، وكل ما في الأمر فريق من الرماة يقودهم الكولونيل جوير، أو الكولونيل بيتش، وفي لحظة انطلاق البنادق ينتهي الأمر.لقد ورد في القرار، ((يضيف هذا المؤتمر معلناً بجلاء أنه بموجب الشريعة الإسلامية يحرم إطلاقاً الخدمة والتطوع في الجيش البريطاني، وكذلك الدعوة إلى ذلك))وعلى هذا فجريمتنا أننا أعلنا حكماً في الإسلام، فإذا كان في إعلان حكم الإسلام ذنب فقولوا في هذه الحالة يكون إعلانكم لأحكام مسيحية جريمة أيضاً، وكذلك الهندوك الذين يعلنون أحكام دينهم اتباعاً لتعاليمه مجرمون، فإذا طلبوا من هندوكي ألا يقتل بقرة يكونوا مذنبين لاتفاقهم على ارتكابهم جناية أو مؤامرة إجرامية!!..ولنأت الآن إلى الاتهامات التي تختصون بالنظر فيها كمحلفين.إنكم وحدكم المقررون في هذه الاتهامات، وإنني لا أحب أن تختلفوا بشأنها في قراركم، إنني أرجو أن تنفقوا سواء أكان قراركم لنا أو علينا، فلا تدعو مجالاً للقول بأن المحلفين الهندوكيين جنحوا إلى رأي والمحلفين المسيحيين بدا لهم رأي آخر، إنني أؤثر أن تكونوا متحدين في أمر على مبلغ من الخطورة كهذا، ولتكن نفوسكم منقادة لضمائركم وحسب، فذلك هو الدستور الأساسي للعقائد جميعاً، عليكم أن تتبعوا الحق وتعملوا بما يمليه الضمير.إن الاتهام الذي من صلاحيتكم أن تقرروا بشأنه هو مسألة (المحاولة) المنطبقة على المادة 131 (يقرأ المادة).رئيس المحكمة: إنكم متهمون بعضويتكم في مؤامرة تهدف إلى فتنة القوات المحاربة.محمد علي: إننا متهمون بأننا أعضاء في مؤامرة، أي متهمون بأننا اتفقنا على فعل إجرامي، وبتتبع هذه المؤامرة تبين أن أحد المؤتمرين في الواقع عمل كل هذه الأعمال، وليس المهم أن يكون الفاعل نحن أم غيرنا حتى نؤخذ بجريرته! إن الفاعل في الحقيقة هو مستر رس ألستن (ROSS ALSTON مساعد المدعي العام) إذ يأتي بجاهل من (الله أباد) ينسخ له شيئاً من فتوى العلماء مع أنه يجهل القرآن جهلاً تاماً، إنه لابد من العناية في تنفيذه فيأتي بجاهل لينسخها! إن أي مسلم يشعر برهبة تهزه إذ يقدم على نسخ شيء من القرآن خشية الوقوع في خطأ يعزو به إلى الله ما لم ينزله في القرآن، غير أن هذا الجاهل يقدم على النسخ وينشر ذلك إرضاءً لمستر ألستن فيطبعه في الله أباد أو في لاهور، ويحصل على النوع المطلوب من الأغلفة، فترسل من عدة مراكز وعلى الخصوص من (الله أباد) حيث مقر مستر رس ألستن! وأنتم عليكم أن تنفوني مدى الحياة من أجل هذا!!هذا هو الذنب الذي افترض أننا فعلناه. إن (الله أباد) مقر مستر رس ألستن واثنين من ضباط المباحث الذين شهدوا ضدنا، أفلا يكون ذلك كافياً لأن يتهم مستر رس بأنه هو الذي فعلها ما دام مجرد الإقامة في الله أباد كان كافياً لاتهامنا بإرسالها؟!ألهذا تقررون النفي لي بعيداً عن أهلي، بعيداً عن بلادي العزيزة، بعيداً عن مجال الجهاد في سبيل الله فقط لأنها أرسلت من الله أباد؟!!أتستبيحون لأنفسكم بناءً على هذا الادعاء إبعادنا مدى الحياة، هذه هي مذكرة الإدعاء، لا شيء فيها غير ذلك، وإلا لقاله صديقنا (المدعي العام)لقد استغرق أربع ساعات في مرافعته أمامكم، وبذلك كسب أجر يومه، وإن كان مرتبه يفوق مجموعه مرتباتكم (يقاطع) ويستأنف محمد علي مرافعته:يا سادة! أود أن أنشد قصيدة من نظمي، هو نظم هزيل لكنه لي، وكما قال تتشستون (TOUCHSTONE) : عندما قتل يوليوس قيصر، وجن جنون الشعب بسحر خطبة أنطونيوس، تجمع الناس على سنا (SINNA) الشاعر يريدون قتله يحسبونه سنا المشترك في مؤامرة قتل القيصر فصاح: (كلا كلا، أنا لست سنا المتآمر، إنما أنا سنا الشاعر! ) ولكنهم قالوا (إذن فاقتلوه لشعره الرديء)أيها السادة لا تنفوني نفياً مؤبداً لشعري الرديء! إنني أخاطب بني وطني وإخواني في العقيدة، وأقول لهم إنني أذكركم بواجبكم، أذكركم بإخلاصكم، أذكركم بالشرف وأطلب إليكم أن تكونوا أمناء على العهد الذي قطعتموه على أنفسكم أمام الله والناس (يلقي القصيدة).أو ليس لي أقول للمحلفين: إذا لم يصدق هؤلاء القوم مع ربهم فاستباحوا مخالفة أمره، أينتظر منهم بعد ذلك صدق في ولائهم لملكهم في جيشه؟! (سكون رهيب في قاعة المحكمة) ربهم الذي وهبهم كل شيء: الحياة، الشرف العقيدة، الإخلاص نفسه، حق الملك..! لا الله فوق كل شيء؛ الله فوق الإخلاص، الله فوق الملك؛ الله فوق الوطنية؛ الله فوق بلادي ووالدي ووالدتي وطفلي! تلك هي عقيدتي، فاشنقوني إن شئتم! ولكن اعلموا أنكم بذلك إنما تنتحرون إذ تقتلون أرواحكم، ولا يغرنكم بعد تحرككم وسعيكم، فستكونون أجساداً تتحرك بلا روح، وجيفاً تصلح للغربان طعاماً.
أيها السادة، إن الحكومة هي التي تعمد إلى فتنة الجنود عن الصراط السوي، ونحن إنما نريد إرجاعهم إلى إخلاصهم الفطري لله، وحيث أن لكل قاعدة شواذاً فإن القانون يقول: (إنها لا تبلغ أن تكون جناية –في حدود مقتضى هذه المادة (505)- إذا كان الشخص الذي يصدر أو ينشر أو يبلغ أي بيان أو إشاعة أو تقرير، لديه أساس معقول يحمله على الاعتقاد بصحة ذلك البيان أو الإشاعة أو التقرير).رئيس المحكمة: اقرأ المادة كاملة يا سيد محمد علي.
محمد علي: سأفعل يا سيدي، ولن أترك صغيرة ولا كبيرة، فإن لم يكن للحكومة بد من رطلها من اللحم فلتأخذ ما تريد، إن المحكمة في قضية شايلوك حكمت له باللحم فقط ولم تسمح له بنقطة واحدة يريقها من الدم المسيحي أما أنتم فلكم أن تأخذوا ذلك أيضاً بغير حساب.إن ذلك الاستثناء في القاعدة يعمل به حيث يستند البيان إلى أساس معقول يبرر الاعتقاد بصدقه، فإذا أعلنت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله أفيكون ذلك من ابتداعي؟ كلا! إن ذلك عقيدة كل مسلم، ولا يمكن أن يكون إعلانها جناية يأخذ بها القانون، وأن كان يحتمل أن (تفنن) رجلاً عن ولائه للملك أو للحكومة، ذلك الولاء الذي تؤدي طاعته في بعض الأمور إلى معصية الله. أما الجناية الثانية فهي (حمل عشرة أشخاص أو أكثر على اقتراف مثل تلك الجريمة النكراء) وعلى ذلك فالمسألة الأولى هي مسألة البيان وصحة ما يستند إليه مصيره، بيان من أيها السادة؟ إنه ليس بياني، إنه حكم الله، إنه إعلان مؤسس على شريعة القرآن، ويعلمه كل مسلم يفهم القرآن، سأريكم أيها السادة ماذا على المرء أن يفعل عندما يتطوع في الجيش، وماذا عليه أن يدع (يقرأ قائمة شروط التطوع) لاحظوا أيها السادة هذا السؤال (هل أنت مستعد لأن تذهب حيثما تؤمر براً أو بحراً، وألا تسمح لشيء بالتدخل في واجباتك الدينية؟ إلا أنني أيها السادة لا أرى في القائمة مثل هذه الأسئلة: هل أنت على استعداد لأن تعمل أي عمل يخالف عقيدتك؟ أو هل تبدي أي اعتراض حين يطلب إليك أن تقترف إثماً من الآثام؟ أو هل تود أن تذهب إلى جهنم براً أم بحراً؟!لقد كان تساءل المدعي العام فقالإذا كان بعض الناس يعتقدون في تقديم القرابين البشرية، وطلب طفلك لهذا الغرض فإنك حينئذ تكون أول من يلجأ إلى حماية القانون) إنني على أي حال لا أطلب لنفسي حماية القانون. وأعتقد مع ذلك أن ليس هناك أية طائفة تطالب الآخرين بتضحية كهذه، إن الطائفة الوحيدة التي تطلب من الناس أن يضحوا بأبنائهم هي جماعة العسكريين! نعم، إنهم يطلبون ذلك. إن إلههم مولوخالاستعماري الشره يطلب تلك الأضاحي.إن جشعهم إلى المستعمرات يطلب تلك الأضاحي، يريدونها في كل مكان: في عرض البحر، وفي محيطات الله الواسعة التي على كل سفينة أجنبية تمر فيها بإحدى سفنهم أن تخفض علمها اعترافاً بأن إنجلترا (سيدة البحار) هؤلاء هم الذين يبتغون الضحايا من البشر!وسألني القاضي (ما رأيك في السارق؟ أتريد تطبيقاً أن تقطع يد السارق؟! وأقول: لو كانت الحكومة إسلامية لطالبتها برجم الزاني. وإن كان الزنى لا يعتبر جريمة في القانون الإنكليزي، إن صفقتي كمسلم مع حكومة إسلامية تختلف عن صفقتي كمسلم مع حكومة غير إسلامية، إني لا أطالب غير المسلم بسوى السماح لي بحمل معتقداتي الدينية، والعمل بموجبها دون التعرض لعقوبة، فإن ديني يفرض عليّ تعاليمه دون غيري ممن لا يعتنقونه، وقد فرض علي أن أعلن أمر الله الذي يحظر فيه على المسلم الانضمام إلى الجيش البريطاني وقتال المسلمين بغير حق، وأنّ من أفظع الخطايا قتل المسلم أخاه بأمر من الحكومة غير المسلمة، فهي الخطيئة التي تعتبر في منزلة تالية للكفر.لقد كان آخر ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته عندما دعا الحجيج في حجة الوداع وكانوا 175 ألفاً في (منى) أن سأل (أي يوم هذا) ..رئيس المحكمة (مقاطعاً) إني أرى أن تكف! دع عنك شأن النبي!محمد علي: غاضباً إنه لابد لي من الاهتمام بشأنه صلى الله عليه وسلم، عليك أن تسحب كلمتك.شوكت علي: هذا بهتان وسفاهة!!محمد علي: عليك أن تسحب قولك، لابد أن تستدرك! إن من واجبي الاهتمام بشأن رسول الله، وعليّ أن أقطع عنق من يسيء في حقه عليه الصلاة والسلام!!رئيس المحكمة: يجب أن تكف وليس لك أن تستمر.محمد علي: إنني إنما أفعل ما يسمح لي به القانون.إن القانون يقول بأن ليس لي أن أدعو الجنود للتخلي عن واجبهم، وأنا أقول ليس من ولجب الجندي المسلم أن يقتل أخاه المسلم؛ ولي هنا أن أناقش هذه القضية إلى الأبد، فما دمت بسبيل إيضاح وجهة نظري فإن لي هذا الحق، امنعوني هذا الحق وأنهوا هذه المهزلة، ما جدوى هذه المسرحية؟!خذوا فريقاً من الرماة ليعدمونا في الحال؛ وإذا شئتم إتمام فصول هذه الرواية الهزلية، حاكمونا بعد موتنا كما فعل اللورد نلسن من قبل؟إنني أقول: إن شيئاً لا يجبر إنساناً على مخالفة تعاليم دينه حتى الواجبات العسكرية.رئيس المحكمة:ليس ذلك في موضوعنا.محمد علي: إنني أوضح تعاليم الإسلام، وقد قدمت ذلك في مذكرتي للمحكمة الابتدائية؛ إن ذلك في صميم الموضوع.رئيس المحكمة:اجلس مكانك.محمد علي: إني لم أناقش بعد المادة 505، ولم أتعرض بكلمة الاتهام بموجب المادة 117، فهل يحكم علي دون أن أقول فيهما شيئاً؟رئيس المحكمة: لن أسمح لك بحق الكلام.محمد علي: أرني جملة واحدة في كتب القانون التي لديك تخولك منعي ذلك الحق! لقد حرمتني حقاً إذ لم تسمح لي بتقديم مذكرة للمحلفين ضد الادعاء، والآن تريد أن تكفني عن مخاطبة المحلفين، إن لك أن تعترض على قسم معين من مرافعتي فتقول: دع الكلام في هذا، ولكن أنى لك أن تمنعني البتة بقولك: لان أسمح لك بحق الكلام؟!رئيس المحكمة :(يردد قوله) اجلس لن أستمع إليك.محمد علي: أتظن أنك مخول قانوناً حتى تمنعني ذلك الحق؟ إن القانون يقول: إنها لا تبلغ لتكون جريمة ما دامت في حدود الاستثناء الذي ذكر..رئيس المحكمة: و . .محمد علي: لا بأس عليك بشأن (و . .) إنني إنما أناقش صحة البيان، ولم أناقش بعد أمر (النية والقصد) فيه.رئيس المحكمة: لن أستمع إليك.محمد علي: إنني على أي حال أخاطب المحلفين، وليس لك أن تمنع المحلفين حقهم، فإن عليهم أن يعطوا رأيهم فيما إذا كنت مذنباً أو غير مذنب، وذلك بمقتضى القانون الذي يقول (يقرأ) وأنا لا أستطيع أن أحل كلامك محل القانون.. كلا إنني لا أعتبر كلام أحد أمام النص الواضح في القانون.رئيس المحكمة: ناقش قضيتك.محمد علي: إنها ليست قضيتكم هي التي أناقش (ضحك) حسناً أيها السادة المحلفون..رئيس المحكمة: لن أستمع إليك.محمد علي: لك ألا تستمع إليّ كما فعلت من قبل أكثر من مرة لقد نمت أثناء جزء طويل من فترة تلاوتي للمذكرة، ولك أن تنام الآن، أما المحلفون فلابد لي من مخاطبتهم.رئيس المحكمة: (غاضباً) ألا تجلس.محمد علي: فإن لم أفعل؟. .رئيس المحكمة: أضعك تحت الحراسة!محمد علي: دونك ما تريد!(مدير البوليس يدعى ليجلي المتهم ولكنه يتراجع دون أن يمسه ويتركه واقفاً، المحكمة تأمر المحضر لينادي على المتهم رقم (2) مولانا حسين أحمد صاحب، المحضر ينادي، ولكن مولانا حسين أحمد لا ينبس ببنت شفة أو يتحرك قيد شعرة)محمد علي: (غير مكترث بتصرف المحكمة) الآن أيها السادة المحلفون..رئيس المحكمة: لا تقاطع المحكمة.محمد علي: إنني لا أقاطع المحكمة، بل الحق أنكم أنتم الذين تقاطعونني، لابد لي من مناقشة ذلك الاستثناء والبحث فيه، أبطلوا التهم الموجهة بموجب المادة 505 والمادة 117 إن شئتم حتى أكف عن المرافعة، فإن لكم أن تعدّلوا في الاتهام حتى النهاية.رئيس المحكمة: لا أستطيع أن أسمح لك بشرح القانون الديني هنا.محمد علي: إنني أشرح القانون الأرضي كما تدعونه لا القانون الديني، إنني أبين للمحلفين أن البيان الذي أعلناه مشتملاً على القرار حق لأنه مستند إلى القرآن والحديث.رئيس المحكمة: لا لزوم لذلك.محمد علي: إن الذي يقدر الضرورة أنا لا أنت. إنك لم تكف المدعي العام عن مرافعته إذ كان يثبت ما يراه ضرورياً، أفلا تدعني أثبت ما أراه أنا ضرورياً؟إنني لا أحب أن أخلق المنافرات، فلست هنا لهذه الغاية، ولا أود أن أكون عنيداً صفيق الوجه؛ ولكني لا أرضى باهتضام حقوقي.رئيس المحكمة: ولكنك تستغرق وقتاً طويلاً جداً.محمد علي: لقد وعدتني أمس بنصف ساعة تسمح لي فيها بالبحث اليوم في تفوق الشريعة الدينية قبل مناقشة النقاط القانونية ووقائع القضية، إنني أقول إن الدين يُستثنى في كل الأحوال، والآن عليّ أن أثبت في مناقشة القانون الأرضي – المادة 505- وأن ذلك حقيقة صادقة ينطبق عليها الاستثناء في المادة 505.رئيس المحكمة: افترض اعتبار صدق ذلك.محمد علي: ليعتبر صدقه المحلفون، وليقروا بذلك كناية، قولوا إن هذا الأمر قد ثبت لنا حتى أدع هذا الموضوع دون مناقشة، واسألوا المدعي العام إن كان يرى أني محق بذلك.
المدعي العام: نحن نقرر أن الآيات التي وردت في المذكرة التي تليت على المحكمة الابتدائية من القرآن.محمد علي: إني أريد أن تقرروا زيادة على ذلك أن هذا البيان الذي اتهمت بسببه بموجب المادة 505 موافق للقرآن والسنة.المدعي العام: لا نستطيع إقرار ذلك.محمد علي: إذن فعليّ إثباته لنفترض أن مسيحياً اتهم في إصدار بيان على عقيدته في الأب والرب الابن والرب الروح القدس، إنه حينئذ يحتج بإثبات صحة بيانه من العقيدة المسيحية، ويقول: إنني أثبت ذلك من التوراة والإنجيل، وأبينه من رسائل الحواريين وكتاب الصلاة، أترون أن ليس له الحق أن يفصل ذلك؟! أأكون _أيها المسلم – قاضياً عادلاً إن منعته ذلك؟ أتظنون أنني أعدل إذ أمنعه أن يثبت أن بيانه صحيح عن التثليث في العقيدة المسيحية؟!رئيس المحكمة: (يومئ برأسه) اجلس مكانك.محمد علي: لا أجلس أو تعتبروا بياني صحيحاً! إنني لا أود أن أكون عنيداً أو لجوجاً بغير سبب، ولكنسي على أي حال أريد الوقوف على حقي غير منقوص.رئيس المحكمة: إنك تضيع وقت المحكمة.محمد علي: إنني لا أضيع وقت أحد، إنما أريد إقناع المحلفين أن البيان صحيح.رئيس المحكمة: ذلك لا يهم.محمد علي: ذلك مهم جداً في نظري، إنه في غاية الأهمية عندي أن يثبت للسادة المحلفين أن البيان متفق والقرآن والحديث وأنه ليس من ابتداعي.. وما القضية بعد كل هذا؟! إني لا أطلب الحماية لجريمة قتل اقترفتها ولا لتحريق بيت تعمدته، ولا لنهب أقدمت عليه، إن القتل تنتفي عنه صفة الجريمة حين يأمر به القائد، والنهب يصبح سائغاً عندما يدعو إليه القائد، وهنا في هذه القضية ليس القتل جريمة ما أمر به القرآن؛ وعلى ذلك فعندما أعزو شيئاً إلى القرآن، فإن لك أن تقول: أرني ذلك.رئيس المحكمة: افرض أننا نقبل ما تقول به جدلاً.محمد علي: أريد أن تقبلوا قولي لكل الاعتبارات. قد أدع المناقشة بالمرة في أمر القصد والنية في هذه المادة إذ أنني لا أتكلم دفاعاً عن نفسي أيها السادة، ولكن لابد من أن أثبت أن هذا البيان صحيح، لقد واجهت نفس الصعوبة عند صديقي مونتاجو (MONTAGUE)إذ قال: إنني يا سيد محمد علي لا أدخل في مناقشة بشأن عقيدتك، ولكني دعوته إلى ذلك، ولقد دمعت عيناي عندما قلت له أنه ليس مما يسرني مخاصمة الحكومة، وقد احترم تلك الدموع فشرحت له الشريعة الإسلامية في الخلافة وكان عليه أن يصغي، ولقد شرحت شريعة ديني لمستر لويد جورج أيضاً، وكذلك لبعض أعضاء البرلمان الآخرين، فلم يقولوا لا دخل لنا فيما ينص عليه القرآن.إنني أريد أن أثبت أن هذا بيان صحيح وليس لكم أن تمنعوني هذا الحق في الإثبات، فهل تسمحون؟؟رئيس المحكمة: فقط إذا شئت أن تفعل ذلك بصورة مختصرة جداً.القاعة تضج بالضحكمحمد علي: ولم لم تقولوا ذلك من قبل؟! طبعاً سأفعل ذلك بصورة مختصرة، بل في غاية الاختصار!!. . . بعد تلك المشادة العنيفة بين مولانا محمد علي ورئيس المحكمة ختم محمد علي مرافعته التاريخية بما يلي:أيها السادة:لست أدري إذا كان الجندي ممنوعاً من تحكيم تقاليده الخاصة أمام واجباته العسكرية، فإن هذا النموذج (قائمة الأسئلة المطروحة بالتطوع) يحوي مجرد سؤال بخصوصها، ولا ندري ماذا يحصل للمتطوع الذي يجيب عليه بالإيجاب معتبراً تقاليده الخاصة.كتب دانتي في (الجحيم) وكذلك أورد ملتون في كتابه (الفردوس المفقود) أنه مكتوب على باب جهنم هذه العبارة (على كل من يدخل هنا أن يترك كل عقيدة خلفه، ولقد قال المشير الألماني في مناسبة مشهورة الحاجة لا تعرف القانون! وها نحن نرى الذين ينددون بهذه القاعدة غير القانونية يعاقبون كخارجين على القانون! إن كل ما نريده أن تكون الحكومة شريفة مستقيمة في هذا الشأن، أن الناس ينضمون إلى الجيش حالياً وعيونهم مغشاة، ونحن نريد أن نزيل هذه الغشاوة عن العيون ليدخل الجيش من يدخل وهو يعلم أن شريعته وتعاليم دينه لن يكون لها فيه أي اعتبار، وستهدر المطالب العسكرية ضحية لمولوخ المسعور، وإن نداء الملكة وإعلاني الملك لن تقدم لهم أية حماية، وحينئذ لا يلوم الحكومة أحد، والذنب من بعد ذنب!! أولئك الذين يعلمون كل ذلك ثم يتطوعون في الجيش!ثم ما الذي تطلبه الشريعة الإسلامية اليوم؟إنها لا تلتمس حماية القانون العلماني، إذ لا تطالب بالضحايا البشرية، إنني لا أقول اقتلوا ضباطكم رمياً بالرصاص، لا ، بل على العكس، إنني أطلب ألا تبيحوا لهم اقتراف جريمة قتل الأخ لتقديم القرابين البشرية من إخوانهم لقتال الألمان في أن يقاتلوا معكم، وكذلك لا أقول إن وقع اضطراب في كراتشي وأخل المسلمون بالأمن يجب على الجندي المسلم ألا يذهب للمحافظة على النظام..لقد ورد في هذا النموذج جميع أنواع الأسئلة، ويقول النموذج (الأسئلة التسعة التالية) إلا أن هناك في الحقيقة أربعة عشر سؤالاً لا تسعة (يقرأ الأسئلة) إنني لا أدري ماذا يحصل إن أجاب المتطوع أنه يأبى أن يطعّم بلقاح الجدري البقري كما قد يفعل بعض الهندوك باعتبار اللقاح أو الليمفا من البقر، ويعلن المتطوع بأن إجاباته صحيحة، وأنه مستعد للقيام بالواجبات المطلوبة دون بيان هذه الواجبات!ولنفرض أنه عبّر عن رضاه بأن يحقن بلقاح الجدري وأن يذهب حيثما يؤمر براً وبحراً.. إن السؤال الخامس عشر الذي كان يجب أن تضمنه القائمة (هل أنت مستعد لأن تفعل أي شيء تؤمر أن تفعله، وألا تدع تعاليم دينك تتدخل في واجباتك العسكرية؟ هل أنت عازم على إغفال أمر الدين؟.. لا أرى هذا السؤال في هذا النموذج..إن أجاب المتطوع عليه بنعم (فلا بأس) وإذا لم يقبل فلكم أن ترفضوه، ولكنكم لا تسألونه هذا السؤال ولا تستطيعون أن تفعلوا ذلك لما فيه –حسب رأيكم- من الصرف والفتنة عن الواجب، ولقد قلت آنفاً إن واجبه الأول طاعة الله، ثم بعد ذلك يلتزم للوطن والملك.أيها السادة المحلفون:إن نداء الملكة قد جاء كما تعلمون على أثر مسألة الذخيرة المشحمة بدهن الخنزير والتمرد بسببها، وإنما كان ذلك النداء لتفنيد زعم ذلك الشمول غير المحدود لما تعنيه (الواجبات العسكرية) المقررة سنة 1858، ولكن ما أهمية قطع غلاف الذخيرة المشحم بدهن الخنزير بالأسنان، أو حتى أكل الخنزير بكامله بالنسبة إلى خطيئة قتل المسلم؟!لقد قلت في مذكرتي للمحكمة الابتدائية ولا أزال أكرر: إنه إذا أكره المرء تحت وطأة التهديد بالموت على أكل لحم الخنزير فليس له فقط أن يأكل اللحم، بل يتحتم عليه حينئذ أن يأكله، وإذا قتل لرفضه قتل خاطئاً، وكذلك يستطيع أن يعلن أنه كافر ما دام قلبه مطمئناً بالإيمان، والخير ألا يفعل فإذا قتل لإصراره على الرفض مات شهيداً؛ غير أنه لا يستطيع أن يقتل أو يجرح مسلماً ولو أكره على ذلك، وعليه أن يمتنع ولو أدى تمنعه إلى قتله.إنكم لا تستطيعون أن تطلبوا من مسلم مس الذخيرة المشحمة بدهن الخنزير باعتباره من واجبه العسكري لما خبرتم سنة 1858 ولنداء الملكة سنة 1858، ثم لا تزالون تدّعون أن من الواجبات العسكرية قتل المسلمين الذي هو أشد فظاعة بدرجات من أكل لحم الخنزير، بل من التظاهر بالارتداد عن دين الإسلام! إن إغفال مثل هذا السؤال الذي اقترحت يعني أن الحكومة تعلم ما يؤدي إليه، لذلك فإننا نعتبر أن من واجبنا تذكير الجندي المسلم بواجبه أمام الله، وأن نطلب من المسلم أن يطبق شريعة الله، وليس يعتبر ذلك صرفاً له عن واجباته في الجيش على أي حال، فإنه لا يحتاج لذلك أن يترك واجبه أو أن يقصر فيه، وكل ما هنالك يطالب ضباطه المسؤولين ألا يطالب بتنفيذ الواجبات المعينة التي لا يقرها الإسلام.. وعلى ذلك فليس هناك احتمال، ولا قصد لصرف الجنود عن واجباتهم.أيها السادة المحلفون!إنني لست حريصاً على الإفراج عني ولا عن الدفاع عن نفسي، إنني أقوم بأي دفاع، ومع ذلك فعليّ أن أوضح لكم قانون الإسلام، وعلاقته في الوضع الذي اتخذناه.إنني لم أناقش شهود الإثبات، ولم أقدم النفي بالنسبة لشخصي، ولكنني أريدكم في الأعم الغالب من بني وطني، وإن كنتم تتعاونون مع هذه الحكومة، أن تعتبروا ذلك لقد أجريت في تاريخ العالم محاكمات هامة، وكثير من العظماء حكم عليهم بتهم متعددة، وفي التاريخ الإنكليزي نفسه قتلت جان دارك إذ حكم عليها بأنها ساحرة. ولكن ماذا كانت النتيجة؟ إن تمثالها الذهبي منصوب أما الفندق الذي كنت أسكنه في فرنسا، وقد أقامت لها الكنيسة الكاثوليكية لما كنت هناك قداساً برئاسة البابا وكلية الكاردينالات.. وأحفاد أولئك الذين حرقوها ماذا فعلوا؛ لم اشترك الجيش البريطاني مع الفرنسيين في إحياء ذكراهما ووضع أكاليل الزهور على تمثالها؟. . إني رأيت بنفسي ذلك الاحتفال.. لقد كان جورج وشنطن ثائراً شقياً في زمن جورج الثالث، فما هي نظرة الحكومة البريطانية إليه اليوم؟ إنه أخلص وطني!أحب أن أوجه ملاحظة أو ملاحظتين، خصوصاً للإنكليزي في المحلفين، إن الأفراد الإنجليز غير ملتزمين باتباع مواطنيهم، خصوصاً في الظلم والزيغ عن الحق، لقد كانت الأقلية خلال التاريخ الإنجليزي كله في الغالب إلى جانب الحق، ولم تزل الأقلية دائماً هي التي تبدأ الحركات الإصلاحية العظيمة، إذ لم تبدأ قط أكثرية عملاً لهدف مجيد.إنه لم يكن بيلاطس الذي حكم عليه بالصلب، لقد كان المسيح عليه السلام، وقد كان بيلاطس القاضي الذي حكم بصلب المسيح، ولكن من الذي ينطق بالحكم الآن ومن ينطق بالحكم فيما بعد؟ هناك، في الآخرة، يوم الدين سيقضي الله بحكمه على بيلاطس الذي ضل سبيل الحق، ولكن أين بيلاطس الآن؟ من ذا الذي يذكره.. قاضي الصلب العظيم.. إلا لحكمه بصلب المسيح..؟ إن المسيح الآن في نظر الملايين من البشر هو المخلص، ولكن من أكون – أيها الفرد المتواضع- حتى أقارن نفسي بالسيد المسيح.. أنا الذي لست أهلاً حتى لإزالة الغبار عن قدميه، ولكن كما قال الشاعر:لا يلزم الضعف أن يكون خداعاً فالصدق صدق في كل درجاته بقدرة الله دوى الرعد للطبيعة وهمس بواسطة روحي إليّ وفي دوي مدافع الهوتزر البريطانية همس الصوت لهادئ الضئيل المنبعث روح رجل متواضع في أذنه – الروح الإلهي نصير الحق- هذه القطعة الصغيرة من الصدق:إنه يجب ألا يقف مكتوف اليدين ينظر إلى المسلمين يقتلهم رغم نهي الله الصريح، ولابد أن يدعو لوقف ذلك، وينادي بالحق، لا يرهب أحداً من البشر أو يهاب صروف الحياة الدنيا.أيها السادة، خذوا شهداء كربلاء مثلاً آخر: لقد كان مع حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنان وسبعون رجلاً فقط، وكان جيش يزيد يعد بالآلاف، وقد قتلوا الحسين حينئذ إذ كان في قلة، إلا أن السخط لا يزال في النفوس على ذلك الفعل الشنيع – فعل الحكومة صاحبة السلطان – منذ ثلاثة عشر قرناً، إن كل مسلم يهتز بالعاطفة لشهيد كربلاء، وليس ليزيد المنتصر المزهو،الذي لا يعرف له قبر في أي مكان.وهكذا أيها السادة، لا تفكروا في آثار قراركم اليوم أو غداً، ولكن في آثاره في المستقبل في حرية البشر، وكذلك في العالم الآخر يوم الحساب، يجب أن تحتكموا لأنفسكم، إذ لا يغني عنكم أحد من رؤسائكم.. إن لويد جورج لا يغني عنكم شيئاً فسيحاسب الله لويد جورج عن نفسه لا عن أنفسكم ولعله يطالبه بالكثير..وسيسألكم الله كذلك عن أنفسكم فرادى ولا يسألكم عن غيركم! أما إن كنتم تعتقدون اعتقاد الهنود بالعقاب في الحياة الدنيا في دورة تناسخ الأرواح، فيجب أن تذكروا أنه بموجب عقيدتكم سينفذ حكم الله فيكم في هذه الحياة الدنيا، وستحاسبون ساعة تترك روحكم منزلها من جسدكم لتلتمس منزلاً آخر.. ومهما كانت عقائدكم فليس الحكم النهائي لكم، كما أنه ليس للقاضي ، إن الحكم إلا لله العلي الكبير.أيها السادة، لقد أخذت كثيراً من وقتكم.. أكثر بكثير مما قصدت أو مما كنت آخذه لو لم أكن أقاطع أو أوقف باستمرار، وكما قلت في بدء كلامي، لو كان الأمر دفاعاً عن نفسي كفرد أو عنا كمتهمين فقط لما ترافعت هذه المدة الطويلة وبهذا الإصرار، إنني لا أبتغي تفادي العقوبة، فإن السجن هو سبيل حرية الهند الوحيد.. ولو أردت دحض الادعاء بكامله لأثبت براءتي بحسب مواد هذا القانون نفسه – القاضي الأرضي المزعوم – لكان بوسعي أن أناقش شهود الإثبات وأمزق ادعاءاتهم تمزيقاً، حقاً، لقد اضطررت إلى أن أفعل ذلك في مسألة الكولونيل جوير وأسئلته الخاصة بتسجيل المتطوعين وواجب الجندي من حيث هو كواجب.. أظن أنني أستطيع أن أقول ذلك وإن كنت لا أحب أن أبدو قانونياً كبيراً كصديق المدعي العام أو مساعده الصغير.إذا كانت رؤوس أهل الحل والعقد تنتزع بسبب إظهار الإسلام وإعلان شريعته، ثم يسأل الباقون عن رأيهم في الشريعة الإسلامية، فذلك لا يعني إلا أن دورهم سيتبع لملاقاة نفس المصير إن هم تجرأوا على أن يقولوا الحق، وستكون النتيجة ألا يقف أحد لمجابهة إرادتكم، وبعد ذلك تتبجحون بقولكم: إننا لا نتدخل في عقائدكم!!فإن لم يكن هذا تدخلاً فإن لكم أن تزهوا بالعجب الذي يوحي به هذا الادعاء بالتسامح المزعوم!إنني أيها السادة لا أستطيع أن أسير على نهج قاضي قضاة بريطانيا أو نائب الملك في الهند، إن له قانوناً يلزمه، ولي شريعة تلزمني، إن أمثال قومه – ولا أقصد فيما أقول إهانة – يدعو القرآن المسلمين دائماً إلى اجتنابهم وأن يكونوا منهم على حذر، وقد ورد في القرآن أنه بعد أن جاوز موسى عليه الصلاة والسلام ببني إسرائيل أرض مصر بسلام ونجوا من طغيان فرعون، طلب منهم السير إلى أرض الميعاد، فقالوا: (إن فيها قوماً جبارين، وإنا لن ندخلها ما داموا فيها، فإن يخرجوا منها فإنا داخلون، وقالوا لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون)
أيها السادة، ليس هذا هو المثال الذي يجب عليّ أن أحذو حذوه في شأن أرضي المقدسة، وما دام الأمر يعنيني، فإن القرآن هو شريعتي، وسواء كان الجبارون أو لم يكونوا، فإنني سأقاتل حيث يأمرني الله بالقتال ، ولن أهدأ أبداً أو أسأله بنفسه الجبارين، وإن كان لابد من شنقي لذلك، لأنها ليست المادة 120(آ) أو (ب) هي التي تطبق على تلك الحالة بل 121: إعلان الحرب على الملك – فإنني سأظل أردد أن هذه هي شريعتي، وأنها شريعة حق، وحتى جثتي ستردد ذلك وهي معلقة على أعواد المشنقة!!لذلك أيها السادة لا تفكروا في تخليصي من النفي مدى الحياة، وإن كان لكم إله، وإن كان لكم روح تسعون لنجاتها، وإن كان لكم عقيدة تؤمنون بها فستقررون ما تمليه ضمائركم، لا تعتبروا أنفسكم مستخدمين لدى رؤسائكم ولكن اعتبروا أنفسكم فقط أنكم عبيد لله وجنود .. كذا.. يجب ضمائركم فقط، وليس لإنقاذي ولكن لإنقاذ أنفسكم.عندما قال القاضي (لا أسمح لك بذلك) وأراد مني أن أكف قلت له: لم إذن لا تكف هذه المهزلة وتأمر بشنقي في الحال وتستريح؟ لقد تبسم وأجاب أن الأمر بيني وبينه فقط، ولكنه بينه وبين الجمهور وقد أجبته أن الجمهور قد أعطى رأيه داخل القاعة، وكذلك في الشوارع حيث احتشد الناس بالآلاف لتحيتنا إذ تأخذوننا وإذ تعودون بنا، والنساء المسنات برزن مع تحجبهن: ومنهم والدتي، يومئن إلينا.إن دفاعي أيها السادة إنما هو سبيل الله، ومن أجل مواطني، إننا الآن في قاعة هذه المحكمة كسجناء ومتهمين، ولكن عندما يجمعنا موقف الحشر أمام الله أحكم الحاكمين فالقاضي والمحلفون والمدعى العام ومساعده .. الملك نفسه، وكل إنسان يحشر ويسأل أمام الله: (لمن الملك اليوم) ماذا سيكون جوابكم؟(إن الملك لك، إنه ملكوتك! إنكم تقولون إذ تصلون لله ليأتك ملكوتك، وقد أتى ملكوت الله .أيها السادة.. لقد جاء ملكوت الله.. إن ملكوت الله هنا اليوم وفي هذه الساعة.. إنه ليس ملك الملك جورج، ولكنه ملكوت الله، وعليكم أن تتخذوا قراركم على هذا الأساس، وعليّ أن أتصرف على تلك القاعدة، ولذلك أقول أنني أتبع قانون الملك جورج ما لم يجعلني على مخالفة أمر ربي!ليس في نفسي حقد على الملك، وليس حتى على القاضي في نفسي شيء من ذلك، ولا على الحكومة؛ولا يمكن أن يثبت ذلك من أي موقف في خطبي العامة.لا أيها السادة، يجب أن نعمل بدافع من المصلحة العامة لا من الأحقاد الشخصية..لقد غضب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي كرّم الله وجهه على يهودي تهجم على الإسلام ورب الإسلام وعقيدة الإسلام، فوثب عليه علي ليقتله، وأيقن اليهودي بالموت، ويئس نهائياً من الحياة فبصق في وجهه..أرأيتم وعاء مملوءاً باللبن على النار يكاد يفور، فيهداً حالما يضاف إليه قليل من الماء؟.. لقد كان أثر بصقة اليهودي كذلك تماماً، إذ هدأ غضب علي في الحال عجباً، وترك اليهودي ومضى، ولكن اليهودي كان من الدهشة لهذا التحول الفجائي بحيث تبع علياً حتى أدركه وقال له: إن أمرك في غاية العجب، لقد طرحتني حينما تفوهت بكلمة وهممت بقتلي، حتى إذا بصقت في وجهك يائساً تركتني؟! فأجاب علي: لقد تجرأت على حرمة الله وكنت لذلك قاتلك، فلما بصقت علي غضبت لنفسي، ولا يتفق الحقد الشخصي والواجب العام.إن لي أن أكون سيافاً لله لا قاتلاً من أجل علي!!أيها السادة، كلانا يحمل اسم علي الكريم، وإنني أحمل أيضاً اسم من هو أعظم من علي، وإنني لن أقف موقف القاتل بسبب الأحقاد الشخصية حتى في قتل الجبارين، ولكنني في سبيل الله أقتل كل من يأمر الله بقتله ولو كان ذلك أخي الشقيق أو أمي العزيزة أو زوجي أو أطفالي أو أي إنسان إرضاءً لله فعونك يا رباه !!
* * *(وهنا خان مولانا محمد علي صوته وتحدرت قطرات من الدمع على وجنتيه، وجلس في نصر مبين)